للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يجب له اليمين إلا بها، كما قال قوم: إن المدعي لا يجب له اليمين فيما ادعى إلا أن يقيم البينة أنه قد كانت بينه وبين المدعي عليه خلطة ولبس؛ فإن أقام على ذلك بَيِّنة استحلف له، ولا لم يستحلف. فأراد الذي روى هذا الحديث أن ينفي هذا القول، ويثبت اليمين بالدعوى وإن لم يكن مع الدعوى غيرها، فهذا وجه.

ش: هذا جواب آخر عن الأحاديث المذكورة بطريق التسليم، تقريره أن يقال: سلمنا صحة هذه الأحاديث وسلامة طرقها عن ما ذكرنا، ومجيئها على الألفاظ التي رويت عليها، ولكنها تحتمل التأويل الذي يدفع به الاحتجاج بها، وذلك أنكم رويتم أنه -عليه السلام- قضى باليمين مع الشاهد الواحد، ولم يبين فيه كيفية السبب، ولا بين الذي يستحلف من هو؛ فقد يجوز أن يكون المستحلف هو المدعي كما ذهبتم إليه، ويجوز أن يكون هو المدعي عليه إذا لم يقم المدعي إلا شاهدًا واحدًا؛ فيكون النبي -عليه السلام- قد استحلف المدعي عليه لعدم كمال النصاب في بينة المدعي، فروى الراوي ذلك كذلك حتى يعلم الناس أن اليمين إنما يتعين على المدعي عليه بدعوى المدعي لا بحجة أخرى من غير دعواه، كما ذهبت إليه طائفة من أهل العلم، وهم الشعبي والنخعي وشريح في قول؛ فإنهم قالوا: لا يحب اليمين للمدعي على المدعي عليه فيما ادعاه إلا إذا أقام البينة أنه قد كانت بينهما خلطة، فإن أقام بينة على ذلك استحلف له وإلا لا.

فأراد إذًا الراوي بقوله: "قضى رسول الله -عليه السلام- بيمين وشاهد" نَفْيَ هذا القول وإثبات اليمين بالدعوى، وإن لم يكن معها غيرها. هذا ما ذكره الطحاوي، وقد يقال يحتمل أن يراد به أن وجود الشاهد الواحد لا يمنع استحلاف المدعي عليه، وأنه يستحلفه مع شهادة شاهد؛ فأفاد أن شهادة الواحد لا تمنع استحلاف المدعي عليه، وأن وجوده وعدمه بمنزلة.

قال الجصاص -في هذا الموضع-: وقد كان يجوز أن يظن ظان أن اليمين إنما يجب على المدعي عليه إذا لم يكن للمدعي شاهد أصلًا؛ فأبطل الراوي بنقله لهذه القضية ظن الظان بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>