فإن قيل: إنما يقضى به فيما تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وهو الأموال، فتقوم يمين الطالب مقام شاهد واحد مع شهادة الآخر.
قيل له:[هذه](١) دعوى لا دلالة عليها، ومع ذلك فكيف صارت يمين الطالب قائمة مقام شاهد واحدٍ دون أن تقوم مقام امرأة.
ويقال لهم: أرأيت لو كان المدعي امرأة هل يقوم يمينها مقام شهادة رجل؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: فقد صارت اليمين آكد في الشهادة لأنكم لا تقبلون شهادة امرأة واحدة في الحقوق، وقبلتم يمينها وأقمتموها مقام شهادة رجل واحد، والله تعالى إنما أمرنا بقبول من نرضى من الشهداء وإن كانت هذه الشهادة لو قامت يمينها مقام شهادة لرجل فقد خالفهم القرآن؛ لأن أحدًا لا يكون مرضيًّا فيما يدعيه لنفسه، ومما يدل على تناقض قولهم: أنه لا خلاف أن شهادة الكافر غير مقبولة على المسلم في عقود المداينات، وكذلك شهادة الفاسق غير مقبولة، ثم إن كان المدعي كافرًا أو فاسقًا وشهد معه شاهد واحد، أيستحلف ويستحق ما يدعيه بيمينه وهو لو شهد مثل هذه الشهادة لغيره وحلف عليها خمسين يمينًا فلم تقبل شهادته ولا أيمانه، وإذا ادعى لنفسه وحلف استحق ما ادعى بقوله، مع أنه غير مرضي ولا مأمون لا في شهادته ولا في أيمانه، وفي ذلك دليل على بطلان قولهم وتناقض مذهبهم.
ص: وقد حدثنا وهبان، قال: ثنا أبو همام، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري:"أن معاوية - رضي الله عنه - أول من قضى باليمين مع الشاهد، وكان الأمر على غير ذلك".
ش: أشار بذلك إلى أن محمَّد بن مسلم الزهري قد أنكر القضاء باليمين وشاهد حيث قال: "وكان الأمر على غير ذلك" وروى ابن حزم عن الزهري ولفظه قال: "هو بدعة مما أحدثه الناس، أول من قضي به معاوية" وقال عطاء بن أبي رباح "أول من قضي به عبد الملك بن مروان".
(١) في "الأصل، ك": "هذا"، والمثبت من "أحكام القرآن" للجصاص.