كيف نقبل أيمان قوم كفار؟! فقال رسول الله -عليه السلام-: أتحلفون وتستحقون؟ " قالوا: فقد رد رسول الله -عليه السلام- الأيمان التي جعلها في البدء على المدعى عليهم، فجعلها على المدعيين بعد أن جعلها على المدعى عليهم، فدل على جواز رد اليمين على المدعي.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث سهل بن أبي حثمة.
أخرجه في باب "القسامة": عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، سمع بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة قال: "وجد عبد الله بن سهل قتيلًا في قليب من قلب خيبر. . . . الحديث" على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وجه استدلالهم به: أن رسول الله -عليه السلام- رد الأيمان على المدعيين بعد أن جعلها على المدعى عليهم، فدل على جواز رد اليمين على المدعي.
ص: فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى: أن رسول الله -عليه السلام- لما قال: "أتبرئكم يهود خمسين يمينًا" لم يكن من اليهود رد الأيمان على الأنصار فيردها النبي -عليه السلام-، فيكون ذلك حجة لمن يرى رد اليمين في الحقوق، إنما قال: "أتبرئكم يهود خمسين يمينًا" فقالت الأنصار: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟! فقال النبي -عليه السلام-: أتحلفون وتستحقون؟ " فقد يجوز أن يكون كذلك حكم القسامة، ويجوز أن يكون على النكير منه عليهم إذ قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟! فقال لهم: أتحلفون وتستحقون"، كما يقال: أيدعون ويستحقون، فلما احتمل الحديث هذين الوجهين لم يكن لأحد أن يحكمه على أحدهما دون الآخر إلا ببرهان يدله على ذلك، فنظرنا فيما سوى هذا الحديث من الآثار المروية في هذا فإذا ابن عباس - رضي الله عنهما - قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه".
فثبت بذلك أن المدعي لا يستحق بدعواه دمًا ولا مالًا وإنما يستحق بها يمين المدعى عليه خاصة، هذا حديث ظاهر المعنى وأولى بنا أن نحمل ما خفي علينا معناه من الحديث الأول على ذلك.