للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: وكان من الحجة لهم في دفع ما احتج به عليهم أهل المقالة الأولى أن النبي -عليه السلام- قال: "ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشهادة لا يسألها، وحتى يحلف على اليمين لا يستحلف". فمعنى ذلك أن يشهد كاذبًا أو يحلف كاذبًا؛ لأنه قال: حتى يفشو الكذب فيكون كذا وكذا؛ فلا يجوز أن يكون الذي يكون إذا فشى الكذب إلا كذبًا، وإلا فلا معنى لذكره فشو الكذب.

ش: أي: وكان من الدليل والبرهان للآخرين. . . . إلى آخره.

وأراد بهذا الجواب عن استدلال أهل المقالة الأولى بالأحاديث المذكورة فيا حق من يشهد كاذبًا أو يحلف كاذبًا بقرينة قوله "ثم يفشو الكذب" ولو لم يكن المعنى كما ذكرنا، لم يكن لذكر فشو الكذب فائدة، والدليل على صحة هذا ما جاء في رواية كهمس التي أخرجها البزار (١) "ثم ينشأن أقوام يفشو فيهم السمن؛ فيشهدون ولا يستشهدون" فهذا خارجٌ في معرض الذم لهؤلاء؛ فلا يستحقون الذم إلا بارتكاب أمرٍ عظيم، وهو ظهور السمن فيهم الذي هو كناية عن أكلهم الحرام وشهادتهم الكاذبة؛ لأن معنى قوله "فيشهدون ولا يستشهدون" أن يشهدوا من غير أن يتحملوا الشهادة، وهي شهادة كذب وزور.

ص: واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم، بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا نعيم، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أنا محمَّد بن سوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر - رضي الله عنه - "أنه خطبهم بالجابية. فقال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد".

ش: أي احتج أهل المقالة الأولى أيضًا لما ذهبوا إليه بحديث عمر بن الخطاب.

أخرجه بإسنادٍ صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن نعيم بن حماد المروزي الفارضي الأعور، عن عبد الله بن المبارك، عن محمَّد بن سوقة الغنوي الكوفي، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر.


(١) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>