وقال: الترمذي، ومعنى هذا الحديث: هو أن الرجل إذا شُهِّد على شيء لا يمتنع من شهادته، ومعنى حديث ابن مسعود وعمران بن حصين وأمثالهما أن يشهد بالزور، وقد بَيَّنَ ذلك ابن عمر في حديثه عن عمر بن الخطاب عن النبي -عليه السلام- قال:"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد، ويحلف الرجل ولا يستحلف".
ص: وقد فعل ذلك أصحاب رسول الله -عليه السلام- فأتوا الإمام فشهدوا ابتداءً، منهم: أبو بكرة ومن كان معه حين شهدوا على المغيرة بن شعبة فرأوا ذلك لأنفسهم لازمًا، ولم يعنفهم عمر - رضي الله عنه - على ابتدائهم إياه بذلك، بل سمع شهاداتهم، ولو كانوا في ذلك مذمومين لَذَمَّهم وقال: من سألكم عن هذا؟ ألا قعدتم حتى تُسْألوا؟ فلما سمع منهم ولم ينكر ذلك عليهم عمر - رضي الله عنه - ولا أحد ممن كان بحضرته من أصحاب النبي -عليه السلام-؛ دل ذلك أن فرضهم كذلك، وأن من فعل ذلك ابتداءً لا عن مسألة محمود.
ش: أي وقد فعل ابتداء الشهادة قبل السؤال أصحاب رسول الله -عليه السلام-، فأتوا الإِمام فشهدوا عنده ابتداء من غير أن يسألوا.
قوله:"منهم" أي من أصحاب رسول الله -عليه السلام- الذين فعلوا ذلك ابتداء: أبو بكرة نفيع بن الحارث الصحابي ومن كان معه، وهم: شبل بن معبد ونافع بن الحارث الثقفي أخو أبي بكرة لأمه أمهما سمية، وزياد بن أبي سفيان على ما يأتي، والباقي ظاهر.
ص: فمما روي في ذلك: ما حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عفان وسعيد ابن أبي مريم، قالا: ثنا السري بن يحيى، قال: حدثني عبد الكريم، عن أبي عثمان النهدي قال: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فشهد على المغيرة بن شعبة، فتغير لون عمر، ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر، ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر - رضي الله عنه - حتى عرفنا ذلك فيه، وجاء آخر يحرك بيديه، فقال: ما عندك يا سلح العقاب؟ وصاح أبو عثمان صيحة يشبه بها صيحة عمر - رضي الله عنه - حتى كدت أن يغشى