الثاني: فيه أن بعض الناس أدرى بمواضع الحجة وتصرف القول من بعض.
الثالث: فيه أن القاضي إنما يقضي على الخصم بما يسمع منه من إقرار وإنكار أو بِبَيِّنَات على حسب ما أحكمته السنة في ذلك.
وفيه: إبطالٌ ورَدٌّ للحكم بالهوى. قال أبو عمر: قد احتج بعض أصحابنا بهذا الحديث في ردِّ حكم القاضي بعلمه.
قلت: إلى هذا ذهب أحمد بن حنبل وأبو عبيد، وهو قول شريح والشعبي: أن القاضي لا يقضي بعلمه في شيء من حقوق الناس ولا غيرها من حقوق الله إلا بالْبَيِّنَات أو الإقرار.
وقال ابن حزم (١): فرض على الحاكم أن يحكم بعلمه في الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود، سواء علم ذلك قبل ولايته أو بعدها، وروي عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: "لا يحكم الحاكم بعلمه في الزنا" وصح عن الشعبي: "لا يكون شاهدًا وقاضيًا".
وقال مالك وابن أبي ليلى -في أحد قوليه- وأحمد وأبو عبيد ومحمد بن الحسن في أحد قوليه: لا يحكم الحاكم بعلمه في شيء أصلًا، وقال حماد بن أبي سليمان: يحكم الحاكم بعلمه بالاعتراف في كل شيء إلا في الحدود خاصة، وبه قال ابن أبي ليلى.
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن في أحد قوليه: يحكم بعلمه في كل شيء من قصاص وغيره إلا في الحدود، وسواء علمه قبل القضاء أو بعده، وقال أبو حنيفة: لا يحكم بما علمه قبل ولايته أصلًا، فأما ما علمه بعدها فإنه يحكم به في كل شيء إلا في الحدود خاصة.
وقال: الليث لا يحكم بعلمه إلا أن يقيم الطالب شاهدًا واحدًا في حقوق الناس خاصة، فيحكم القاضي حينئذ بعلمه مع ذلك الشاهد.