واستقبل واستعرض واستدبر ثم قال: أُسِرُّ أم أُعْلن؟ قال: لا، بل أَسِرَّ، قال: لقد أخذ الشبه منهما جميعًا فلا أدري لأيهما هو، فأجلسه، ثم أمر الثالث، فنظر فاستقبل واستعرض واستدبر، ثم قال: أُسِرُّ أم أُعْلن؟ قال: أَعْلِنْ، قال: لقد أخذ الشبه منهما جميعًا فما أدري لأيهما هو، فقال عمر - رضي الله عنه -: إنا نقوف الآثار ثلاثًا بقولها، وكان عمر - رضي الله عنه -، فجعله لهما يرثانه ويرثهما، فقال لي سعيد: أتدري مَنْ عصبته؟ قلت: لا، قال: الباقي منهما".
قال أبو جعفر -رحمه الله-: فليس يخلو حكمه في هذه الآثار التي ذكرنا من أحد وجهين: إما أن تكون بالدعوى؛ لأن الرجلين ادعيا الصبي وهو في أيديهما، فألحقه بهما بدعواهما.
أو يكون فعل ذلك بقول القافة، وكان الذين يحكمون بقول القافة لا يحكمون بقولهم إذا قالوا: هو ابن هذين، فلما كان قولهم كذلك ثبت على قولهم أن يكون قضاء عمر - رضي الله عنه - بالولد للرجلين كان بغير قول الفاقة، وفي حديث سعيد بن المسيب ما يدل على ذلك؛ وذلك أنه قال: فقال القافة: لا ندري لأيهما هو، فجعله عمر - رضي الله عنه - ابنهما، والقافة لم يقولوا: هو ابنهما، فدل ذلك أن عمر - رضي الله عنه - أثبت نسبه من الرجلين بدعواهما ولما لهما عليه من اليد، لا بقول القافة.
ش: لما أدعت أهل المقالة الأولى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حكم بقول القافة عند اشتباه الأنساب، وذكروا في ذلك ما مَرَّ ذكره عن قريب، وأجاب عنه الطحاوي بما أجاب من نفي حكم عمر - رضي الله عنه - بقول القافة، وأن بقولهم لا يجب ثبوت النسب؛ شرع فذكر هاهنا ما هو شاهد على ذلك، وأنه صح عن عمر - رضي الله عنه - أنه لم يرجع إلى قول القافة في الصورة المتنازع فيها، بل هو جعل الولد بين المدعيين، وذلك لأن حكم عمر في الآثار المذكورة لم يكن بقول القافة , لأنهم قالوا: لقد أخذ الشبه منهما جميعًا فما ندري لأيهما هو، ولم يقولوا: هو لهما وأنه ابنهما، ومع هذا كان عمر - رضي الله عنه - أيضًا قائفًا فلم يلتفت إلى ذلك بل حكم بالنسب بين الرجلين بسبب