للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبكت أشدَّ البكاء، فقلت: أين رسول الله -عليه السلام-؟ قالت: في خزانته في المَشْرُبة. فإذا بغلام رسول الله -عليه السلام- رباح قاعدٌ على أسكفة المَشْرُبة مُدْلي رجليه على نقير من خشب وجذعًا يرقى عليه رسول الله -عليه السلام-، فناديتُ: يا رباح، استأذن لي على رسول الله -عليه السلام-؛ فنظر إلى الغرفة، ثم نظر إليّ فلم يقل شيئًا. فقلت: يا رباح، استأذن لي على رسول الله -عليه السلام- فإني أظن أن رسول الله -عليه السلام- ظنّ أني جئت من أجل حفصة، والله لو أمرني أن أضرب عنقها لضربتُ عنقها. فأومأ إليّ بيده، فدخلت على رسول الله -عليه السلام- وهو مضطجع على حصير، فجلست فإذا عليه إزار ليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جسده فذهبت أرمي ببصري [في] (١) خزانة رسول الله -عليه السلام- فاذا شطر من شعير قدر صاع وقرظ في ناحية الغرفة، فابتدرت عيناي، فقال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا رسول الله، ألا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جسدك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وقيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله وصفوته، وهذه خزانتك؟! قال: ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قلت: بلى. قال: ودخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب فقلت: يا رسول الله، ما شق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر، وقل ما تكلمت -وأحمد الله- بكلامٍ إلا رجوت أن يصدق الله قولي، ونزلت هذه الآية، {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} (٢) ونزلت: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} (٣) إلى آخر الآية، وكانت بنت أبي بكر وحفصة تظاهرتا على سائر نساء رسول الله -عليه السلام-، فقلت: يا رسول الله، طلقتهن؟ قال: لا. قلت: أنزل فأخبرهن أنك لم تطلقهن؟ قال:


(١) "ليست في الأصل" والمثبت من البحر الزخار (١/ ٣٠٤ حديث رقم ١٩٥).
(٢) سورة التحريم، آية: [٥].
(٣) سورة التحريم، آية: [٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>