في الحديث في أول الباب، ولا يدل ذلك على أنه أثبت النسب؛ لأنه يجوز أن يضاف، فيقال: هو له، وقد قال عبد الله بن رواحة لليهود حين خرص عليهم تمر خيبر:"إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي"(١) ولم يُرد به الملك، والخصم ادعى أنه لم يرد إضافته إليه في الحقيقة على هذا الوجه؛ لأن قوله:"هو لك" إضافة نسبة على الحقيقة، فليس حمله على إثبات النسب بأولى من حمله على إثبات اليد، ولئن سلمنا أن ما زاده مسدد صحيح، ووافقه على ذلك غيره، ولكنه يُراد به أخوك في الدين، وأنه ليس بعبد؛ لإقراره بأنه حر، ويحتمل أن يكون أصل الحديث:"هو لك" فظن الراوي أن معناه: أخوه في النسب، فحمله على المعنى عنده، والخبر الذي يرويه عبد الله بن الزبير صرّح بأنه -عليه السلام- قال:"فإنه ليس لك بأخ" على ما نذكره عن قريب، وهذا صريح لا احتمال فيه، فوجب حمل خبر الزهري -الذي مضى ذكره- على المعنى الذي ذكرناه.
قوله:"فلو كان النبي -عليه السلام- قد جعله ابن زمعة. . . ." إلى آخره.
قيل: فيه نظر لأن احتجاب الأخت عن أخيها ليس مبطل لأخوته لها؛ لأنه ليس بفرض على المرأة رؤية أخيها لها، إنما الفرض عليها صلة رحمه، ولم يأمرها -عليه السلام- قط بأن لا تصله.
والجواب عن ذلك: أن هذا كلام صادر من غير تروّي، وذلك أنّا ما ادعينا أن احتجاب الأخت عن أخيها مبطل لأخوته لها، وإنما قلنا: إنه لو كان ابن زمعة لما كان -عليه السلام- أمر سودة بالاحتجاب عنه، فَأَمْره إياها بذلك يدل على أنه ليس بأخ لها، وإلا لا يكون للنهي فائدة، وكلام النبي -عليه السلام- مصون من اللغو.
وقوله:"لأنه ليس بفرض على المرأة رؤية أخيها لها" كلام ساقط لأنه ليس له دخل في المبحث؛ بل يمكن أن يدّعى فرضية رؤية أحد الأخوين للآخر إذا وجد
(١) أخرجه مالك في "موطإه" (٢/ ٧٠٣ رقم ١٣٨٧)، وأحمد في "مسنده" (٣/ ٣٦٧ رقم ١٤٩٩٦).