للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه مَنْ الراكب والشارب؟ فيحتمل أن يكون هو الراهن، ويحتمل أن يكون المرتهن، فتخصيص الراهن به من غير دليل يدّل عليه ترجيح بلا مرجح، وهو لا يجوز، فإذا كان كذلك فقد بطل الاستدلال به لأهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، ومع هذا فقد بين هُشَيم بن بشير في روايته هذا الحديث أن المراد من الراكب والشارب هو المرتهن لا الراهن.

وقد أخرج ذلك عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني، عن إسماعيل بن سالم الصائغ، عن هشيم بن بشير، عن زكرياء بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

وهذا إسناد صحيح.

فإذا كان الأمر كذلك كان ينبغي أن يذهبوا إلى عكس ما ذهبوا إليه، وهو أن يكون جواز الركوب وشرب اللبن للمرتهن بحق نفقته عليه، لا للراهن.

فإن قيل: إذا كان حديث هشيم قد بين أن المراد من الراكب والشارب هو المرتهن، فلم لم تقولوا به، وهو حجة عليكم حيث أطلقتم المنع للراهن والمرتهن جميعًا؟.

قلت: قد كان ذلك جائزًا للمرتهن بهذا الحديث حين كان الربا مباحًا، وحين لم ينه عن القرض الذي يجرّ منفعة، ولا عن إبدال شيء بشيء وإن كانا متفاضلين، فلما حدثت هذه الأشياء، انفسخ الحكم المذكور أيضًا، وأشار إلى ذلك بقوله: "وكان هذا عندنا والله أعلم. . . ." إلى آخره.

فإن قيل: قال ابن حزم (١): حديث هشيم المذكور ليس مسندًا؛ لأنه ليس فيه بيانٌ بأن هذا اللفظ من كلام رسول الله -عليه السلام-، وأيضًا فإن لفظه مختلط لا يفهم أصلًا، وهو قوله: "ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها، ويركب"


(١) "المحلى" (٨/ ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>