صرفوا ذلك إلى الراهن هم أهل المقالة الأولى، وتحقيق هذا الكلام: أن هذا إيراد على أهل المقالة الأولى بأن يقال لهم: إذا رهن رجل دابة والحال أنه راكبها، فإن قال لآخر: رهنتك هذه الدابة. فإن هذا لا يجوز، هم أيضًا يقولون: لا يجوز.
فدلَّ هذا أن التخلية بين الرهن والمرتهن شرط حتى يكون في قبضه وفي يده دون يد الراهن، وذلك لأن الله تعالى قال:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}(١) فوصف الرهن بالقبض، فدلَّ أنه شرط.
فإذا قيل لهم: هل هذا كذلك؟
فيقولون: نعم. فإذا كان كذلك فكيف يجوز أن يقال: للراهن أن يركب الرهن بحق نفقته عليه، أو يشرب لبنه بحق نفقته عليه؟!.
قوله:"على ما الراهن راكبه" أي على الشيء الذي هو راكبه، وهو الدابة.
قوله:"وفي ذلك أيضًا" أي وفي ما ذكرنا من اشتراط دوام القبض في الرهن ما يمنع أن يستخدم الراهن الأمة التي رهنها؛ لأنه حينئذ يشبه رهن الدابة وهو راكبها.
ص: وحجة أخرى: أنهم قد أجمعوا أن الأَمَة الرهن ليس للراهن أن يطأها، وللمرتهن منعه من ذلك، فلما كان المرتهن يمنع الراهن بحق الرهن من وطئها، كان له أيضًا أن يمنعه بحق الرهن من استخدامها.
ش: أي دليل آخر يدل على عدم استعمال الراهن الرهن بالركوب والوطأ ونحوهما، وهو أن الأخصام كلهم قد أجمعوا على أن الراهن لا يجوز له أن يطأ الأمة المرهونة، وأن للمرتهن أن يمنعه من ذلك، فإذا كان له منعه من ذلك بسبب حق الرهن، كان له أيضًا أن يمنعه بسبب حق الرهن من أن يستخدمها.