للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن الحسن بن صالح بن حيّ الكوفي العابد؛ شاهدًا لما ذكره فيما مضى من عدم جواز انتفاع الراهن بالركوب والاستخدام وشرب اللبن ونحو ذلك؛ لأن عامرًا الشعبي قال من رأيه: "لا يُنتفع من الرهن بشيء".

وهذا بعمومه يتناول الراهن والمرتهن، والحال أنه هو الذي روى عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "الظهر يُركب بنفقته إذا كان مركوبًا, ولبن الدرّ يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا" ولا يجوز لمثل الشعبي أن يروي عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- حديثًا ثم يقول هو من رأيه بخلاف ذلك بدون ثبوت نسخ ذلك عنده، وذلك لأنه قد عُلِمَ أن الراوي إذا ظهرت منه المخالفة قولًا أو عملًا، فإن كان ذلك بتاريخ قبل الرواية فإنه لا يقدح في الخبر، ويحمل على أنه كان ذلك مذهبه قبل أن يسمع الحديث، فلما سمع الحديث رجع إليه، وكذلك إن لم يُعْلم التاريخ؛ لأن الحمل على أحسن الوجهين واجب ما لم يتبين خلافه، وهو أن يكون ذلك منه قبل أن يبلغه الحديث ثم رجع إلى الحديث، وأما إذا عُلم ذلك منه بتاريخ بعد الحديث، فإن الحديث يخرج به من أن يكون حجةً؛ لأن فتواه بخلاف الحديث أو عمله من أبين الدلائل على الانقطاع، وأنه لا أصل للحديث، فإن الحال لا يخلو إما أن تكون الرواية تقولًا منه لا عن سماع، فتكون واجب الرد، أو تكون فتواه وعمله بخلاف الحديث على وجه قلة المبالاة والتهاون بالحديث فيصير به فاسقًا لا تقبل روايته أصلًا، أو يكون ذلك عن غفلة ونسيان، وشهادة المغفل لا تجوز فلا يكون حجة فكذلك خبره، أو يكون ذلك منه على أن علم انتساخ حكم الحديث، وهذا أحسن الوجوه، فيجب الحمل؛ عليه تحسينًا للظن بروايته وعمله، فإنه روى على طريق إبقاء الإسناد، وعلم أنه منسوخ، فأفتى بخلافه.

قوله: "أفيجوز عليه" أي على الشعبي، والهمزة في "أفيجوز" للاستفهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>