أخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن عطاء.
وأثر عطاء هذا قد دَلَّ على شيئين:
الأول: أن التأويل الذي أوله الشافعي في حديث ابن المسيب: "لا يغلق الرهن" غير صحيح، لأن عطاء أيضًا روى هذا، وأفتى من رأيه بما ذكرنا.
والثاني: أن فتواه هذه قد وافقت حديثه المرسل الذي رواه عبد الله بن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عنه، وقد مَرَّ بيانه مستوفى، فصار هذا أيضًا حجة على الشافعي؛ لأن من أصله: أن من روى حديثًا عن النبي -عليه السلام- فتأويله فيه حجة، فقد خالف الشافعي هذا كله في هذا الباب، وخالف أيضًا ما روي عن النبي -عليه السلام-، وعن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وشريح، والحسن، وإبراهيم النخعي؛ فلهذا استبعد الطحاوي هذا الأمر منه فقال: فمن إمامه في هذا -أي فيما ذهب إليه- وبمن اقتدى فيه.
ص: ثم النظر في هذا أيضًا يدفع ما قال وما ذهب إليه، إذ جعل الرهن أمانة تضيع بغير شيء، وقد أجمعوا أن الأمانات لربها أن يأخذها، وحرام على المرتهن منعه منها، والرهن مخالف لذلك، إذا كان للمرتهن حبسه، ومنع مالكه منه حتى يستوفي دينه، فخرج بذلك حكمه من حكم الأمانات.
ورأينا الأشياء المغصوبة حرام على الغاصبين حبسها، وحلال للمغصوبة منهم أخذها، والرهن ليس كذلك؛ لأن المرتهن حلال له حبس الرهن، ومنع الراهن منه حتى يستوفي منه دينه.
ورأينا العواري للمستعير الانتفاع بها, وللمعير أخذها منه متى أحب، والرهن ليس كذلك، لأن المرتهن حرام عليه استعمال الرهن، وليس للراهن أخذه منه حتى يوفيه دينه.
فبان حكم الرهن من حكم الودائع والغصوب والعواري، وثبت أن حكمه بخلاف حكم ذلك كله.