وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم: لا يسقط حقه بذلك؛ بل له أن يأخذ بعد البيع؛ لأن الشفعة لم تجب بعد، وإنما تجب له بعد البيع، فتركه ما لم يجب له بعد لا معنى له، ولا يسقط حقه إذا وجب.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الشفعة لا تكون إلا بالشركة في الأرض، أو الحائط، أو الربع، ولا تجب بالجوار، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي والليث بن سعد ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور، فإنهم قالوا: لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم، ولا تجب الشفعة بالجوار.
وقال ابن حزم: وصح عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي الزناد، وربيعة مثل قول الشافعي ومالك.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: الشفعة فيما وصفتم واجبة للشريك الذي لم يقاسم، ثم هي من بعده واجبة للشريك الذي قاسم بالطريق الذي قد بقي له فيه الشرك، ثم هي من بعده واجبة للجار الملازق.
ش: أي خالف القومَ المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والثوري وشريحًا القاضي، وعمرو بن حزم والحسن بن حَيّ، وقتادة والحسن البصري وحماد بن أبي سليمان وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: تجب الشفعة في الأراضي والرباع والحوائط للشريك الذي لم يقاسم، ثم للشريك الذي يليهم، وقد بقي حق طريقه أو شربه، ثم من بعدهما للجار الملازق. وقال أصحابنا: سبب وجوب الشفعة أحد الأشياء الثلاثة المشتركة في نفس المبيع والخلطة، وهي الشركة في حقوق الملك والجوار، وإن شئت قلت: أحد أسبابه الشركة والجوار.
ثم الشركة نوعان: شركة في ملك المبيع، وشركة في حقوقه كالشرب والطريق، ثم المراد بالجار الملازق، وهو الذي داره على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة