للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى} (١) إلى هذه الآية {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (١)، قال ابن عباس: فالعفو أن يقبل الدية في العمد، قال: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (١)، أي: يطلب بمعروف ويؤدي بإحسان.

قوله: "فالعفو أن يقبل الدية في العمد" قد فسر ابن عباس العفو: بقبول الدية في العمد. وهذا ينافي أخذ الدية من غير رضي القاتل كما ذكرنا، وقد ذكر بعضهم أن العفو له في اللغة خمس موارد:

الأول: العطاء، يقال: جاد بالمال عفوًا صفوًا، أي مبذولًا من غير عوض.

الثاني: الإسقاط ونحوه، فاعف عنا، وعفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق.

الثالث: الكثرة، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَفَواْ}، أي كثروا، ويقال: عفى الزرع أي: طاب.

الرابع: الذهاب، ومنه قوله: عفت الديار.

الخامس: الطلب يقال: عفوته واعتفيته، ومنه قوله: ما أكلت العافية فهو صدقة، ومنه قول الشاعر:

يطوف العفاة بأبوابه

وإذا كان مشتركًا بين هذه المعاني المتعددة وجب عرضها على مساق الآية ومقتضى الأدلة، فالذي يليق بذلك منها العطاء والإسقاط، فرجح الشافعي الإسقاط؛ لأنه ذكر قبله القصاص، وإذا ذكر العفو بعد العقوبة كان في الإسقاط أظهر.

ورجح مالك وأصحابه العطاء؛ لأن العفو إذا كان بمعنى الإسقاط وصل بكلمة "عن" كقوله: {وَاعْفُ عَنَّا} (٢)، وكقوله: "عفوت لكم عن صدقة الخيل"، وإذا كان بمعنى العطاء كانت صلة "له" فيرجح ذلك بهذا.


(١) سورة البقرة، آية: [١٧٨].
(٢) سورة البقرة، آية: [٢٨٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>