للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبوجه ثان وهو: أن تأويل مالك هو اختيار حبر القرآن ومن تابعه.

وبوجه ثالث وهو: أن الظاهر في الجزاء هو أن يعود على مَن يعود عليه الشرط، والجزاء عائد إلى الولي، فليعد إليه الشرط، ويكون المراد بـ "مَنْ": مَن كان المراد بالأمر بالاتباع.

الرابع: أنه قال "شيء" مُنَكَّر، ولو كان المراد القصاص لأنكره؛ لأنه مُعَرَّف، وإنما يتحقق التنكير في جانب الدية وما دونه.

وقال ابن العربي في قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ. . . .} (١) إلى آخره: هذا قول مشكل تبلدت فيه ألباب العلماء، واختلفوا في مقتضاه.

فقال مالك -في رواية ابن القاسم: يوجب العمد القود خاصة، ولا سبيل إلى الدية إلا برضا من القاتل، وبه قال أبو حنيفة، وروى أشهب عنه أن الولي مخير بين أحد أمرين: إن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية، وبه قال الشافعي.

وكاختلافهم اختلف مَن مضى من السلف قبلهم. ورُوِيَ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "العفو": أن يقبل الديّة في العمد فيتبع بمعروف ويؤدي إليه بإحسان، يعني يحسن في الطلب من غير تضييق ولا عنف، ويحسن في الأداء من غير مطل ولا تسويف، ونحوه عن قتادة ومجاهد وعطاء والسدِّي، ثم قال ابن العربي: هذا يدور على حرف، وهو معرفة تفسير العفو، وقد ذكرنا الآن ما قالوا في تفسيره ويظهر من ذلك الصحيح من الفاسد مما قاله العلماء في هذا الباب.

قوله: "وجهين متكافئين" أي متماثلين.

ص: فنظرنا في ذلك، هل نجد من ذلك شيئًا يدل على شيء من ذلك؟

فقال أهل المقالة الأول: فقد قال الله -عز وجل-: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} الآية (١).

فأخبر الله -عز وجل- في هذه الآية أن للولي أن يعفو ويتبع القاتل بإحسان.


(١) سورة البقرة، آية: [١٧٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>