حميد الطويل، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أن عمته الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها، وطلبوا إليهم العفو فأبوا، والأرش، فأبوا إلا القصاص، فاختصموا إلى رسول الله -عليه السلام-؛ فأمر رسول الله -عليه السلام- بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟! لا والذي بعثك بالحق؛ لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله -عليه السلام-: يا أنس كتاب الله -عز وجل- القصاص، فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله -عليه السلام-: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، يزيد بعضهم على بعض".
فلما كان الحكم الذي حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الربيع للمنزوعة ثنيتها هو القصاص ولم يخيرها بين القصاص وأخذ الدية.
وحاج أنس بن النضر حين أبى ذلك، فقال:"يا أنس كتاب الله -عز وجل- القصاص" فعفا القوم فلم يقض لهم بالدية.
ثبت بذلك أن الذي يجب بكتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -عليه السلام- في العمد هو القصاص؛ لأنه لو كان يجب للمجني عليه الخيار بين القصاص وبين العفو، فما يأخذ به الجاني إذًا لخيرها رسول الله -عليه السلام- ولا علمها بما لها أن تختاره من ذلك، ألا ترى أن حاكمًا لو تقدم إليه رجل في شيء يجب له فيه أخذ شيئين فثبت عنده أنه لا يحكم له بأحد الشيئين دون الآخر؛ وإنما يحكم له بأن يختار ما أحب من كذا ومن كذا، فإن تعدى ذلك فقد قصَّر عن فهم الحكم، ورسول الله -عليه السلام- أحكم الحكماء، فلما حكم بالقصاص، وأخبر أن كتاب الله -عز وجل- القصاص؛ ثبت بذلك أن الذي في مثل ذلك هو القصاص لا غيره.
فلما ثبت هذا الحديث على ما ذكرنا، وجب أن نعطف عليه حديث أبي شريح وأبي هريرة، فنجعل قول رسول الله -عليه السلام- فيهما:"فهو بالخيار بين أن يعفو أو يقتص أو يأخذ الدية" على الرضا من الجاني بغرم الدية، حتى يتفق معنى هذين الحديثين، ومعنى حديث أنس - رضي الله عنه -.
ش: لما أبطل ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى وبيّن أن حججهم غير دالة على