للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معناه، وهي آية محكمة في وجوب القصاص وهو قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ} (١) فوجب أن يكون من حيث ثبت أن القود مراد بالسلطان المذكور في هذه الآية، أن يكون مقطوعًا حتمًا في الآية المحكمة من ذكر إيجاب القصاص، وليس معك آية محكمة في إيجاب المال على قاتل العمد، فيكون معنى المتشابه محمولًا عليه؛ فلذلك وجب الاقتصار بمعنى الاسم على القود دون المال وغيره، لموافقته المعنى المحكم الذي لا اشتراك فيه، على أن في الآية ما يدل على أن المراد القود دون ما سواه؛ لأنه قال: {فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ} (٢) والسرف فيه: أن يقتل غير قاتله، أو أن يمثل بالقاتل فيقتله على غير الوجه المستحق للقتل، وفي ذلك دليل على أن المراد بقوله: {سُلْطَانًا} (٢) القود. والله أعلم.

ص: ثم رجعنا إلى أهل المقالة الأولى في قولهم: "إن للولي أن يأخذ الدية وإن كره ذلك الجاني".

فنقول لهم: ليس يخلو ذلك من أحد وجوه ثلاثة:

إما أن يكون ذلك؛ لأن الذي له على القاتل هو القصاص والدية جميعًا، فإذا عفى عن القصاص فأبطله بعفوه، كان له أخذ الدية.

وإما أن يكون الذي وجب له هو القصاص خاصة، ولكن له أن يأخذ الدية بدلًا من ذلك القصاص.

وإما أن يكون الذي وجب له هو أحد أمرين: إما القصاص، وإما الدية، يختار من ذلك ما شاء.

ليس يخلو ذلك من أحد هذه الوجوه الثلاثة، فإن قلتم: الذي وجب له هو القصاص والدية جميعًا فهذا فاسد؛ لأن الله -عز وجل- لم يوجب على أحد فَعل فعْلًا أكثر مما فعل، وقد قال الله -عز وجل-: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ


(١) سورة البقرة، آية: [١٧٨].
(٢) سورة الإسراء، آية: [٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>