للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فيما قاله المزني خطأ ومناقضة، أما الخطأ: فهو أن من أصل أهل المقالة الثانية: أن الحد لا يبطل بالصلح ويبطل بالمال، والكفالة بالنفس فيها روايتان:

إحداهما: لا تبطل أيضًا.

والأخرى: أنها تبطل.

وأما المناقضة: فهي اتفاق الجميع على جواز أخذ المال على الإطلاق، ولا خلاف أن الطلاق في الأصل ليس بمال، وأنه ليس للزوج أن يلزمها مالًا عن طلاق بغير رضاها، على أن الشافعي: قد قال -فيما حكاه المزني عنه: إن عفو المحجور عليه عن الدم جائز وليس لأصحاب الوصايا والديون منعه من ذلك؛ لأن المال لا يملك مع العمد إلا باختيار المجني عليه، فلو كان الدم مالًا في الأصل؛ لثبت فيه الغرماء وأصحاب الوصايا، وهذا يدل على أن موجب العمد عنده هو القود لا غير، وإن لم يوجب له خيارًا من القتل والدية.

فإن قلت: قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} (١) يوجب لوليه الخيار بين أخذ القود والمال إذْ كان اسم السلطان يقع عليهما.

والدليل عليه أن بعض المقتولين ظلمًا ثبت فيه الدية نحو قتل شبه العمد، والأب إذا قتل ابنه، وبعضهم يُجِبْ فيه القود، وذلك يقتضي أن يكون جميع ذلك مرادًا بالآية؛ لاحتمال اللفظ لهما، وقد تأوله الضحاك بن مزاحم على ذلك فقال في معنى قوله: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} (١) أنه إن شاء قتل، وإن شاء عفى، وإن شاء أخذ الدية.

فلما احتمل السلطان ما وصفنا؛ وجب إثبات سلطانه في أخذ المال كهو في أخذ القود؛ لوقوع الاسم عليهما.

قلت: حَمْله على القود أولى من حمله على الدية؛ لأنه لما كان "السلطان" لفظًا مشتركًا محتملًا للمعاني، كان متشابهًا فيجب رده إلى الحكم، وحمله على


(١) سورة الإسراء، آية: [٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>