القود، وإن ضربه بعمود أو بحجر لا يشدخ أو بحد سيف ولم يجرح، أو ألقاه في البحر قرب اليم وهو يُحسن العوم، أو ما الأغلب أنه لا يموت مثله فمات، فلا قود، وفيه الدية مغلظة على العاقلة.
ص: وقالوا: ليس فيما احتج به علينا أهل المقالة الأولى من قوله -عليه السلام-: "ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه مائة من الإبل" دليل على ما قالوا؛ لأنه قد يجوز أن يكون النبي -عليه السلام- أراد بذلك العصا التي لا يقتل مثلها التي هي كالسوط الذي لا يقتل مثله. فإن كان أراد ذلك فهو الذي قلنا، وإن لم يكن أراد ذلك وأراد ما قلتم أنتم فقد تركنا الحديث وخالفناه، فنحن بعد لم نثبت خلافنا لهذا الحديث إذ كنا نقول: إن من العصا ما إذا قتل به لم يجب على القاتل قود، وهذا المعنى الذي حملنا عليه معنى هذا الحديث أولى مما حمله عليه أهل المقالة الأولى؛ لأن ما حملناه لا يضاد حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي -عليه السلام- في إيجابه القود على اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بحجر، وما حمله عليه أهل المقالة الأولى يضاد ذلك وينفيه، فلأن يحمل الحديث على ما يوافق بعضه بعضًا أولى من أن يُحمل على ما يضاد بعضه بعضًا.
ش: أي قال أهل المقالة الثانية، حاصل هذا أنهم يقولون: إن قوله -عليه السلام-: "ألا إن قتيل خطأ العمد. ." الحديث لا يدل على ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى.
بيانه: أن العصا المذكور في الحديث لا يخلو إما أن يراد به العصا التي لا يقتل مثلها كالسوط الذي لا يقتل مثله، أو لم يكن ذلك فإن كان الأول فهو ما ذهب إليه؛ لأنا نقول: إذا كانت العصا مثلها لا يقتل فقتل بها ففيه الدية دون القصاص؛ لأنه شبه عمد.
وإن كان الثاني الذي ذهبتم إليه، فقد نكون حينئذٍ تاركين للحديث المذكور ومخالفين إياه، على زعمكم ولكن لا نقول بذلك، ولا نثبت الخلاف المذكور؛ لأنا نقول: إن من العصا ما إذا قتل به لم يجب على القاتل به قصاص، بل تجب دية، كما إذا كانت العصا لا يقتل مثلها.