جملته، كان ذلك عمدًا ووجب عليه القود، فكل مَن جعل منهم شبه العمد على جنس من هذين الجنسين أوجب فيه الكفارة.
ولقد رأينا الكفارة فيما قد أجمع عليه الفريقان تجب حيث لا يجب الإثم, وتنتفي حيث يكون الإثم, وكان القاتل بحجر أو بعصًا -ومثل ذلك يقتل- عليه إثم النفس، وهو فيما بينه وبين ربه كمن قتل رجلًا بحديدة، وكان من قتل رجلًا بسوط -ليس مثله يقتل- غير آثم إثم القتل، ولكنه آثم إثم الضرب، فكان إثم القتل في هذا عنه مرفوعًا؛ لأنه لم يُرده، وإثم الضرب عليه مكتوب؛ لأنه قصده وأراده.
فكان النظر أن يكون شبه العمد الذي قد أجمع أن فيه الكفارة في النفس هو ما لا إثم فيه، وهو القتل بما ليس مثله يقتل، الذي يتعمد به الضرب ولا يراد به تلف النفس، فيأتي ذلك على تلف النفس.
فقد ثبت بذلك قول أهل هذه المقالة، وهو قول أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-.
ش: أي فكان من دليل من خالف أهل المقالة الأولى -وهم: أبو حنيفة ومن معه- فيما ذهبوا إليه؛ بيان ذلك أن يقال: إن استدلال أبي حنيفة ومن معه بحديث أبي هريرة والمغيرة بن شعبة المذكور على أن القاتل بعصًا ونحوها ليس عليه القصاص، غير تام، ولا مطابق لدعواهم؛ وذلك لأن حديثهما قد رواه حَمَل بن مالك حين نشد عمر الناس قضاء رسول الله -عليه السلام- في الجنين، وأخبر في حديثه أنه -عليه السلام- قتل تلك المرأة القاتلة التي قتلت صاحبتها بالمِسْطح -وهو بكسر الميم- عود من أعواد الخِبَاء، فقد خالف حَمَل في ذلك أبا هريرة والمغيرة فيما روياه عن النبي -عليه السلام- من قضائه بالدية في ذلك على عاقلتها، فإذا كان كذلك فقد تكافأت الأخبار -أي تساوت- في وجه الاستدلال، بمعنى أن كل واحد من الفريقين إذا احتج بأحد الحديثين، احتج عليه الآخر بالحديث الآخر، فحينئذٍ يجب الرجوع إلى وجه النظر والقياس، فمن شهد له وجه النظر من ذلك بشيء