فيه: أن المسلمين متساوون في الدماء، حتى إن الشريف يُقاد بالوضيع، والكبير بالصغير، والعالم بالجاهل، والحر بالعبد، والرجل بالمرأة.
فإن قيل: فعل هذا ينبغي أن لا يُقتل المسلم بالكافر؛ لأن دم الكافر لا يساوي دم المسلم.
قلت: قوله: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" لا ينفي مكافأة دماء غير المؤمنين من أهل الذمة، والدليل على ذلك: أنه لم يمنع تكافؤ دماء الكفار حتى تقاد بعضهم لبعضهم إذا كانوا ذمةً لنا، وكذلك لا يمنع تكافؤ دماء المسلمين وأهل الذمة.
وفيه: أن أحدًا من أهل العسكر إذا أمَّنَ أهل حصن أو أهل مدينة صح أمانه سواء كان حرًّا أو حرةً، ولا يصح أمان ذمي؛ لأنه منهم، إلا شاذًا عن مالك: يصح، ولا أمان أسير ولا فاجر منهم؛ لأنهما مقهوران تحت أيديهم. وعن الشافعية وجه: يصح إذا لم يخف.
وفيه: أن المؤمن لا يقتل بالحربي، وأن الذمي أيضًا لا يقتل بالحربي.
ص: فإن قال قائل: قوله: "ولا ذو عهد في عهده" إنما معناه: لا يقتل مؤمن بكافر، فانقطع الكلام، ثم قال:"ولا ذو عهد في عهده" كلام مستأنف، أي ولا يُقتل المعاهد في عهده، فكان من حجتنا عليه: أن هذا الحديث إنما جرى في الدماء المسفوك بعضها ببعض؛ لأنه قال:"المسلمون يدٌ على مَن سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم" ثم قال: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" فإنما جرى الكلام على الدماء التي تجري قصاصًا, ولم يجر على حرمة دم بعهد، ليحمل الحديث على هذا. فهذا وجه.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن قوله -عليه السلام-: "لا يُقتل مؤمن بكافر" كلام مستقل بذاته مفيد لحكم، وليس له تعلق به لما بعده، فلما قال هذا الكلام: انقطع عما قبله وتم.