ثم قوله -عليه السلام- بعده:"ولا ذو عهد في عهده" كلام مستأنف أي مبتدأ، وهو أيضًا كلام مستقبل بذاته مفيد لحكمه، ومعناه: لا يُقتل المعاهد في عهده، فإذا كان كذلك كان كل من الكلامين حكمًا، وهو أن يكون حكم الأول: منع قتل المؤمن بالكافر، أي كافر كان، وحكم الثاني: منع قتل المعاهد ما دام في عهده.
وأشار إلى الجواب عن ذلك بقوله:"فكان مِن حجتنا عليه -أي على هذا القائل- أن هذا الحديث" يعني أن مورد الحديث في الدماء التي يُسفك بعضها ببعض بقرينة قوله: "المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم" أي تتساوى في القصاص كما ذكرنا, ولما قال:"لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده" عُلم أن جريان الكلام كان على الدماء التي تسفك من حيث القصاص، ولم يكن على حرمة دم بسبب العهد والذمة؛ وذلك لأن حرمة دم العهد معلومة بدون هذا.
ولو قلنا: المعنى ولا يُقتل المعاهد في عهده؛ لخلا اللفظ عن الفائدة.
فإذا كان كذلك لم يكن قوله:"ولا ذو عهد في عهده" كلامًا مستقلًا بدايةً، مفيدًا لحكم غير معلوم، فاحتاج إلى تأويل كما ذكرناه فيما مضى محققًا.
قوله:"فهذا وجه" أي فهذا الذي ذكرناه وجه في الجواب.
ص: وحجة أخرى: أن هذا الحديث إنما روي عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُعلم أنه رُوي عن غيره من طريق صحيح، فهو كان أعلم بتأويله، وتأويله هو فيه إذْ كان محتملًا عندكم هذين المعنين اللذين ذكرنا، دليل على أن معناه في الحقيقة هو ما تأوله علي.
ش: أراد بقوله: "حجة أخرى": جوابًا آخر، وهو أن هذا الحديث الذي رواه قيس بن عُبَاد إنما رواه عن علي بن أبي طالب، عن النبي -عليه السلام-، وكان علي - رضي الله عنه - أعلم بتأويله، وتأويل علي - رضي الله عنه - فيه هو الذي يدل على أن معناه في الحقيقة هو الذي ما تأوله عليه من أن المراد بالكافر: هو الكافر الحربي على ما يجيء بيانه عن قريب.