للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلم أن الخيار للمدعين؛ لأنه لم يستحلف، فكيف يستحلف من لا يريدونه؟ وإنما قال: "حقنتم بأيمانكم دماءكم"؛ لأنهم لو لم يحلفوا حبسوا حتى يقروا فيقتلوا أو يحلفوا، فأيمانهم حقنت دماءهم إذ تخلصوا بها من القتل أو الحبس، كقوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} (١)، فلو لم تلاعن حبست حتى تلاعن فتنجو أو تقر فترجم.

وأما قوله: "أفثابت هو عندك؟ " أي: قضية عمر - رضي الله عنه -. . . . إلى آخره.

فنقول: لم يذكر أحد -فيما علمنا- أن الشعبي رواه عن الحارث الأعور غير الشافعي، ولم يذكر سنده في ذلك، وقد رواه الطحاوي بسنده عن الشعبي، عن الحارث الوادعي كما مرَّ ذكره عن قريب، وكذلك مجالد رواه عن الشعبي.

ورواية أبي إسحاق لهذا الأثر عن الحارث هذا، عن عمر - رضي الله عنه - أمارة على أنه هو الواسطة لا الحارث الأعور كما زعم الشافعي.

ورواه في أيضًا عبد الرزاق (٢): عن الثوري، عن منصور، عن الحكم، عن الحارث ابن الأزمع، والحارث هذا ذكره أبو عمر في الصحابة - رضي الله عنهم - كما ذكرناه. وذكره ابن حبان في "الثقات" التابعين، ثم إن الحارث الأعور وإن تكلموا فيه فليس بمجهول كما زعم الشافعي، بل هو معروف، روى عنه: الضحاك والشعبي وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم.

ص: وقد وافق ذلك ما قد رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الموضع أنه قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناسٌ دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه".

فسوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بين الأموال والدماء، وحكم فيها بحكم واحد، فجعل اليمين في ذلك كله على المدعى عليه، فثبت بذلك أن معنى حديث سهل هذا أيضًا على ما قد تأولناه.


(١) سورة النور، آية: [٨].
(٢) "مصنف عبد الرزاق" (١٠/ ٣٥ رقم ١٨٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>