للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: روى هذا الحديث جميع رواة "الموطأ" مرسلًا، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب، إلا ابن عيينة فإنه رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد بن محيصة، جمعهما جميعًا في هذا الحديث ولم يقل ذلك غير ابن عيينة، عن ابن شهاب فيما أعلم. والله أعلم.

فإن قيل: مذهب أكثر المحدثين: أن الحديث إذا كان منقطعًا من وجه متصلًا من وجه آخر يكون حجة؛ لوجود الاتصال فيه بطريق واحد، والطريق الآخر الذي هو منقطع كأن ليس؛ لأن ذلك الطريق ساكت عن الراوي وحاله أصلًا، وفي الطريق المتصل بيان له، ولا معارضة بين الساكت والناطق.

قلت: ولئن سلمنا أنه حجة عند بعض، فليس هو بحجة عند الآخرين؛ لأن اعتبار الاتصال فيه يسقط بالانقطاع من وجه، فإذا كان كذلك فلا تقوم بمثله حجة عند الخصم.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث منسوخ بحديث جابر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -. بيان ذلك: أن الحكم المذكور فيه قد أخذه -عليه السلام- من حكم سليمان النبي -عليه السلام-، وقد أخبر الله تعالى في القرآن بقوله: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ. . . .} (١) الآية. قال ابن عباس: كان الحرث زرعًا. وقال ابن مسعود: كان كرمًا قد نبت عناقيده؛ وذلك أنه دخل عليه رجلان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا انفلت غنمه ليلًا فوقعت في حرثي فلم تُبق منه شيئًا، فقال له داود -عليه السلام-: اذهب فإن الغنم لك، فأعطاه رقاب الغنم بالحرث، فخرجا فمرا على سليمان -عليه السلام- فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه، فقال: لو وليت أمركم لقضيت بغير هذا، فأُخبر داود -عليه السلام- بذلك فدعاه، فقال له: بحق النبوَّة كيف تقضي؟ قال: أدفع الغنم إلى صاحب الحرث سنةً فيكون له نسلها ولبنها وصوفها


(١) سورة الأنبياء، آية: [٧٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>