للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنافعها، ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم، فإذا كان العام المقبل وصار الحرث كهيئته يوم أُكل، دُفع إلى أهله، وأخذ صاحب الغنم غنمه. فقال داود -عليه السلام-: القضاء على ما قضيت، وحَكَم بذلك.

ثم لا خلاف بين أهل العلم أن حكم داود وسليمان -عليهما السلام- بما حكما منسوخ، وذلك لأن داود -عليه السلام- حكم بدفع الغنم إلى أهل الحرث، وحكم سليمان له بأصوافها وأولادها، ولا خلاف بين المسلمين أن من نفشت غنمه في حرث رجل أنه لا يجب عليه تسليم الغنم، وأنه لا يسلم أولادها وألبانها وأصوافها، فثبت أن الحكمين جميعًا منسوخان بشريعة النبي -عليه السلام-.

ثم إنه حكم بمثل الحكم المذكور إلى أن أحدث الله -عز وجل- هذه الشريعة المطهرة، فنسخت ما قبلها.

فإن قلت: قد تضمنت القضية معانٍ منها: وجوب الضمان على صاحب الغنم، ومنها: تبقية ذلك الضمان، وإنما المنسوخ فيه ما يجب به الضمان، ولم يثبت أن الضمان نفسه منسوخ.

قلت: قد ثبت ذلك الضمان على لسان النبي -عليه السلام- بالخبر الذي تلقاه الناس بالقبول واستعملوه، وهو ما رواه أبو هريرة وجابر: "العجماء جبار"، ولا خلاف في استعمال هذا الخبر في البهيمة المنفلتة إذا أصابت إنسانًا أو مالًا أنه لا ضمان على صاحبها؛ إذ لم يرسلها هو عليه.

ولما كان هذا الخبر مستعملًا عند الجميع، وكان عمومه ينفي ضمان ما يصيبه ليلًا أو نهارًا، ثبت بذلك نسخ ما ذكرنا من قصة داود وسليمان -عليهما السلام - ونسخ ما ذكرنا في حديث حرام بن محيصة من وجوب الضمان في الليل.

ووجه آخر: أن الأسباب الموجبة للضمان لا يختلف فيها الحكم بالنهار والليل في إيجاب الضمان أو نفيه. فلما اتفق الجميع على نفي ما أتلفت الماشية نهارًا وجب أن يكون ذلك حكمها ليلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>