للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقوبات المتفق عليها في انتهاك الحرمات كلها إنما هي شيء واحد، من ذلك أنا رأينا أن السارق عليه القطع لا غير، والقاذف عليه الجلد لا غير. فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك الزاني عليه شيء واحد لا غير فيكون عليه الرجم الذي قد اتفق أنه عليه، وينتفي عنه الجلد الذي لم يتفق به عليه. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: تقرير السؤال أن يقال: لمَّا كان حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - الذي فيه الزيادة -وهي الرجم والجلد- أولى من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد، وجابر بن سمرة في قصة ماعز التي فيها الرجم فقط، والأخذ بالزائد أولى لشموله الكل، فيكون العمل بكل الآثار، وهو أولى من إعمال بعضها إهمال بعضها.

والجواب ما ذكره بقوله: "قيل له: لدلالة. . . ." إلى آخره.

وملخصه أن يقال: إن الذي ذكرتم إنما يتمشى إذا لم يكن ثمة نسخ، وحديث عبادة منسوخ فلا يُعمل به، ووجه النسخ ما بينه مستقصى.

وقال أبو عمر: أما حديث عبادة فإنما كان هذا في أول نزول الجلد؛ وذلك أن الزناة كانت عقوبتهم إذا شهد عليهم أربعة من العدول في أول الإسلام أن يُمْسَكوا في البيوت إلى الموت، أو يجعل الله لهم سبيلًا، فلما نزلت آية الجلد قام رسول الله -عليه السلام- فقال: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر .. الحديث". فكان هذا في أول الأمر، ثم رجم رسول الله -عليه السلام- ولم يجلد، فعلمنا أن هذا كان حكمًا أحدثه الله نسخ به ما قبله، ومثل هذا كثير في أحكامه وأحكام رسوله -عليه السلام- ليبتلي عباده، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -عليه السلام-، وقد كان الزهري يُنكر الجلد مع الرجم ويقول: "رجم رسول الله -عليه السلام- ولم يجلد" ذكره عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.

قال أبو عمر (١): حدثنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا


(١) "التمهيد" (٩/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>