فلما اضطرب حديث الزهري على ما ذكرنا، واختلف عن غيره عن عمرة على ما وصفنا، ارتفع ذلك كله، فلم تجب الحجة بشيء منه إذ كان ينفي بعضه بعضًا، ورجعنا إلى أن الله -عز وجل- قال في كتابه العزيز:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}(١) فأجمعوا أن الله تعالى لم يعن بذلك كل سارق، وإنما عنى به خاصًّا من السرَّاق لمقدار من المال معلوم، فلا يدخل فيما قد أجمعوا أن الله -عز وجل- عنى به خاصًّا إلا من قد أجمعوا أن الله -عز وجل- عناه، وقد أجمعوا أن الله -عز وجل- قد عنى سارق العشرة دراهم واختلفوا في سارق ما هو دونها، فقال قوم: هو ممن عنى الله -عز وجل-. وقال قوم: ليس هو منهم، فلم يجز لنا -لما اختلفوا في ذلك- أن نشهد على الله تعالى أنه عنى ما لم يجمعوا أنه عناه، وجاز لنا أن نشهد فيما أجمعوا أن الله -عز وجل- عناه، فجعلنا سارق العشرة دراهم فما فوقها داخلًا في الآية فقطعناه، وجعلنا سارق ما دون العشرة خارجًا من الآية فلم نقطعه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي قيل لهؤلاء المعارضين من أهل المقالة الثالثة في جواب معارضتهم، وملخصه: أن حديث الزهري مضطرب سندًا ومتنًا.
أما سندًا فظاهر، وأما متنًا فإنه قد روي عنه فيما مضى بمعنى يدل على خلاف ما روي عنه هاهنا، وهو أن فيما مضى إخبار عن فعل رسول الله -عليه السلام- وهو:"كان رسول الله -عليه السلام- يقطع في ربع دينار فصاعدًا"، وهاهنا إخبار عن قوله وهو: قال رسول الله -عليه السلام-: "تقطع اليد في ربع دينار".
فلما حصل هذا الاضطراب سندًا ومتنًا، واختلف أيضًا عن غير الزهري، عن عمرة، عن عائشة بالوقف والرفع على ما مرَّ بيانه، ارتفع ذلك كله فلا تجب به الحجة بعد ذلك؛ لأن بعضه ينفي بعضًا وهو معنى قوله: إذ كان ينفي بعضه بعضًا.