وكلمة "إذ" هاهنا للتعليل، ومنافاة بعضه بعضًا ظاهرة؛ لأن الرفع يخالف الوقف، والإخبار عن الفعل يخالف الإخبار عن القول.
فإن قلت: أعمل بالقول والفعل جميعًا فإنه أكد في الفعل بواحد منهما، وإنما تتحقق للمنافاة بين القول والفعل إذا كان الخلاف بينهما في نفس الحكم، وهاهنا ليس كذلك.
قلت: هذا إنما يمشي إذا سَلِمَ الحديث من الاضطراب، فافهم.
قوله:"ورجعنا إلى أن الله. . . . إلى آخره" تحقيق هذا الكلام أن العمل بعموم اللفظ في آية السرقة غير ممكن بالإجماع؛ لأن اسم السارق يطلق على سارق الصلاة، قال -عليه السلام-: "إن أسوأ الناس سرقة هو الذي يسرق صلاته. . . . الحديث"(١)، وأيضًا فهو مجمل من حيث المقدار يحتاج إلى بيان من غيره في إتيانه، فلا يصح من أجل ذلك اعتبار عمومه في إيجاب القطع في كل مقدار، وقد علمنا أن الله -عز وجل- لم يعن بذلك كل سارق، بل إنما عنى به سارقًا خاصًّا لمقدار معلوم من المال، ثم اختلفوا في هذا المقدار الذي يتعلق به قطع يد السارق، فقال قوم: هو العشرة دراهم فما فوقها، وهم أهل المقالة الثانية.
وقال قوم: هو ربع دينار، وهم أهل المقالة الثالثة، وقال قوم: هو ثلاثة دراهم، وهم أهل المقالة الأولى، وهذه الأقوال الثلاثة هي التي عمل الناس عليها، وكلهم مجمعون على أن الله عنى سارق العشرة دراهم من هذه الآية، ولكن اختلفوا في سارق ما دون العشرة، فمنهم من قال: هو ممن عنى الله -عز وجل-، ومنهم من يقول: ليس هو منهم.
فإذا كان الأمر كذلك لم يجز لنا أن نشهد على الله أنه عنى ما لم يجمعوا أنه عناه، ويجوز لنا أن نشهد فيما أجمعوا عليه أنه -عز وجل- عناه، فلما كان الأمر كذلك، كان سارق العشرة دراهم فما فوقها داخلًا في الآية لتيقننا بإجماعهم على أنه ممن