الحديث الذي أمر فيه رسول الله -عليه السلام- بقطعه بمجرد إقراره في أول الأمر، ولكن لما كان هذا بطريق الاحتمال دون التيقن، أحال الحكم فيه إلى النظر والقياس، وهو معنى قوله: فلما احتمل ذلك رجعنا إلى النظر. . . . إلى آخره.
وملخصه: أن الشارع لما أخرج حكم الإقرار بالزنا عن حكم الإقرار بحقوق الناس التي يكتفى فيها بمجرد الإقرار مرة واحدة، وجعل حكمه كحكم الشهادة عليه بالزنا حيث لا تقبل الشهادة فيه إلا من أربعة؛ فالنظر عل ذلك ينبغي أن يكون حكم الإقرار بالسرقة كحكم الشهادة بها حيث لا تجوز إلا من اثنين فلا يترتب عليه القطع إلا بالإقرار مرتين، والجامع بينهما كون كل واحد منهما حدًّا، والباقي ظاهر.
ص: فأدخل محمد بن الحسن في هذا على أبي يوسف، فقال: لو كان لا يقطع في السرقة حتى يقربها سارقها مرتين، لكان إذا أقر بها أول مرة صار ما أقر به عليه دَيْنًا ولم يجب عليه القطع بعد ذلك إذ كان السارق لا يقطع فيما وجب عليه بأخذه إياه دَيْنًا.
ش: هذا إيراد من جهة محمد على ما ذهب إليه أبو يوسف من اشتراطه في القطع في السرقة مرتين.
بيانه أن يقال: لو كان إقراره مرتين شرطًا في القطع لكان المعترف بالسرقة في أول إقراره مقرًّا به دينًا في ذمته، وإقراره بعد ذلك لا يوجب القطع؛ لأنه صار مديونًا، والمقر بما عليه من الدين لا يجب عليه القطع، فحينئذ ينتفي القطع عن كل سارق فينسد باب القطع.
ص: فكان من حجتنا لأبي يوسف عليه في ذلك: أنه لو لزم ذلك أبا يوسف في السرقة لزم محمدًا مثله في الزنا أيضًا؛ إذ كان الزاني -في قولهم- لا يحد فيما وجب عليه فيه مهرٌ كما لا يقطع السارق فيما وجب عليه دينًا، فلو كانت هذه العلة التي احتج بها محمد بن الحسن على أبي يوسف يحب بها فساد قول