كل شراب" على صيغة اسم الفاعل، وهي رواية شعبة عن مسعر، ورواية أبي نعيم عن مسعر: "والسكر من كل شراب" على صيغة المصدر.
وعن هذا قال أبو جعفر النحاس: إثبات الميم فيه هو الصحيح.
قلت: تابع أبو نعيم جعفر بن عون؛ فرواه عن مسعر كذلك -يعني على صيغة المصدر- وتابع مسعر الثوري؛ فرواه عن أبي عون كذلك.
وأخرجه الطبري: ثنا محمد بن موسى الحرشي: ثنا عبد الله بن عيسى: ثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: "حرم الله الخمر بعينها، والسكر من كل شراب".
وأخرجه أبو حنيفة - رضي الله عنه - في "مسنده": عن عون بن أبي جحيفة، قال: قال ابن عباس: "حرمت الخمر لعينها، قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب"، فهذان وجهان آخران بدون لفظة الميم.
فإن قلت: قال الأصيلي: لم يسمع عبد الله بن شداد هذا الحديث من ابن عباس، قاله الإمام أحمد بن حنبل، وقال: قد بينه هشيم، فقال: أخبرني الثقة عن ابن عباس.
قلت: قول المثبت أولى من قول النافي، والدليل على صحة رواية الطبري وأبي حنيفة.
ثم إن هذا الحديث يدل على شيئين:
الأول: أن تحريم الخمر لذاتها ولعينها، فلذلك يستوي فيها القليل والكثير، والسكر وعدمه؛ فصارت كالنجاسة المغلظة لذاتها.
الثاني: أن غير الخمر إنما يحرم لأجل الإسكار، حتى إذا لم يسكر لا يحرم، وأشار الطحاوي إلى هذا بقوله: "فثبت بذلك أن ما سوى الخمر التي حرمت. . . . إلى آخره".