للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المزفت، ولا النقير، وإني نُهيت عن الخمر والميسر والكوبة -وهي الطبل- وكل مسكر حرام. قالوا: يا رسول الله، فإذا اشتد؟ قال: صُبوا عليه الماء. قال -في الثالثة أو الرابعة-: فإذا اشتد فأهريقوه".

قوله: "في الدباء" هي القرع واحدها دباءة، ووزن الدباء فُعَّال ولامه همزة؛ لأنه لم يعرف انقلاب لامه عن واو أو ياء. قاله الزمخشري، وأخرجه الهروي في باب "الدال مع الباء" على أن الهمزة زائدة.

وأخرجه الجوهري في المعتل على أن همزته منقلبة، وكأنه أشبه، وكانوا ينتبذون في الدباء فَتُسرع الشدة في الشراب.

وتحريم الانتباذ في الظروف المذكورة كان في صدر الإسلام ثم نسخ، وهو المذهب، وذهب مالك وأحمد إلى بقاء التحريم.

و"المزفت" هو الإناء الذي طلي بالزفت، وهو نوع من القار.

و"النقير" هو أصل النخلة يُنقر وسطه، ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذًا مسكرًا والنهي واقع على ما يعمل فيه لا على اتخاذ النقير، وهو فعيل بمعنى مفعول.

ص: فإن قال قائل: فإن في أمره إياهم بإهراقه بعد ذلك دليل على نسخ ما تقدم من الإباحة.

قيل له: وكيف يكون ذلك كذلك؟! وقد روي عن ابن عباس من كلامه بعد رسول الله -عليه السلام-: "حرمت الخمر بعينها، والسكر من كل شراب" وقد ذكرنا بإسناده فيما تقدم من هذا الكتاب، وهو الذي روي عنه ما ذكرت، فدل ذلك أن التحريم في الأشربة كان على الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من غيرها، فكيف يجوز على ابن عباس مع علمه وفضله أن يكون قد روى عن النبي -عليه السلام- ما يوجب تحريم النبيذ الشديد، ثم يقول: حرمت الخمر بعينها، والسكر من كل شراب، فيعلم الناس أن قليل الشراب من غير الخمر وإن كان كثيره يُسكر حلال؟! هذا غير جائز عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>