قلت: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الحظر كان في مبتدأ الأمر، ثم رفع وصار منسوخًا، ودلت الأحاديث الثابتة على أن النهي كان مطلقًا عن الظروف كلها، ودل بعضها أيضًا على السبب الذي لأجله رخص فيها وهو أنهم شكوا إليه الحاجة إليها، فرخص لهم في ظروف الأدم لا غير، ثم إنهم شكوا إليه أن ليس كل أحد يجد سقاء، فرخص لهم في الظروف كلها ليكون جمعًا بين الأحاديث كلها.
ص: ومما يدل على ذلك أيضًا: أن فهدًا حدثنا، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس قال:"دخلت على أنس، فرأيت نبيذه في جرة خضراء".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان، قال:"دخلت على أنس بن مالك بواسط القصب، فرأيت نبيذه في جرة خضراء يُنتبذ له فيها".
فهذا أنس بن مالك ينتبذ في الظروف، وهو أحد من روى عن رسول الله -عليه السلام- النهي عن الانتباذ فيها؛ فدل ذلك على ثبوت نسخ ذلك عنده، والله أعلم.
ش: أي ومن الذي يدل على نسخ الأحاديث المتقدمة: ما روي عن أنس بن مالك؛ فإنه كان ينتبذ له في الظروف، والحال هو أحد الرواة عنه -عليه السلام- أنه نهى عن الانتباذ فيها، فلو لم يثبت عنده نسخ ذلك لما انتبذ له في الظروف.
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن أبي جعفر الرازي، قيل: اسمه عيسى عن الربيع بن أنس البصري البكري.
الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة.