فلما قدم ومن الجعرانة دخل عليه وهو وجع مغلوب، فقال سعد: يا رسول الله، إن لي مالًا وإنني أورث كلالة؛ أفأوصي بمالي كله أو أتصدق به، قال: لا. . . ." وذكر الحديث.
فهذا يعضد ما قال ابن عيينة وفيه: "أفأوصي بمالي كله أو أتصدق" على الشك.
وأما حديث ابن شهاب فلم يختلف عنه أصحابه لا ابن عيينة ولا غيره أنه قال فيه: "أفأتصدق" ولم يقل: "أفأوصي".
فإن قلت: هذه اللفظة: "أفأتصدق" كان في ذلك حجة قاطعة لما ذهب إليه الجمهور من أهل العلم في هبات المريض وصدقاته وعتقه، أن ذلك كله من ثلثه لا من جميع ماله ماله.
قوله: "أشفيت منه" أي أشرفت من أجله على الموت، من الإشفاء وهو الإشراف على الشيء.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فتكلم الناس في الرجل هل يسعه أن يوصي بثلث ماله أو ينبغي أن يقصر عن ذلك؟ فقال قوم: له أن يوصي بالثلث كاملًا فيما أحب مما يجوز فيه الوصايا، واحتجوا في ذلك بإجازة النبي -عليه السلام- لسعد - رضي الله عنه - أن يوصي بثلث ماله بعد منعه إياه أن يوصي بما هو أكثر من ذلك على ما ذكرنا في هذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: شريحًا القاضي، ومحمد بن سيرين، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدًا، والشافعي وأحمد؛ فإنهم قالوا: للرجل أن يوصي بثلث ماله كله لا فيما أحب مما يجوز فيه الوصايا. واحتجوا فيه ذلك بحديث سعد بن أبي وقاص.
ص: وبما حدثنا يونس بن عبد الأعلى وبحر بن نصر، قالا: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جعل لكم ثلث أموالكم من آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم".