الثاني: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، عن محمد بن سابق التميمي البزار الكوفي، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -.
قوله:"أفاء الله" من الفيء وهو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصل الفيء الرجوع يقال: فاء يفيء فيئة وفُيُوءًا، كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم، ومنه قيل للظل الذي يكون بعد الزوال: فيء؛ لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق.
قوله:"فخرصها" من خَرَص النخل والكرمة يَخْرِصُها خرصًا إذا حزر ما عليهما من الرطب تمرًا، ومن العنب زبيبًا، وهو من الخرص: الظن؛ لأن الحزر إنما هو تقدير بظن، والاسم الخِرص -بالكسر- والفاعل الخارص.
قوله:"ولم يضاد ذلك" أي المذكور من الأحاديث ما قد تقدم ذكرنا له من حديث جابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وثابت بن الضحاك - رضي الله عنهم -.
وهذا في الحقيقة جواب عما يقال: إن بين أحاديث ابن عباس وابن عمر وجابر المذكورة هاهنا وبين أحاديث جابر ورافع وثابت تضادًّا ظاهرًا؛ لأن أحاديث ابن عباس وابن عمر وجابر هذه تخبر بإباحة المزارعة بالثلث والربع، وأحاديث هؤلاء تمنع عن هذا.
وتحقيق الجواب يفهم مما ذكره من معاني هذه الأحاديث وتنزيلها على تأويلات صحيحة.
ص: فاحتج محتج في ذلك، فقال: قد عورضت هذه الآثار أيضًا بما روي عن النبي -عليه السلام- من النهي عن بيع الثمار قبل أن تكون بما قد وصفنا في باب "بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها"، قال: فإذا نهى النبي -عليه السلام- عن الابتياع بالثمار قبل أن تكون، دخل في ذلك الاستئجار قبل أن يكون، فكما كان البيع بها قبل كونها باطلًا؛ كان الاستئجار بها قبل كونها كذلك أيضًا.