ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: أصحاب الأرض بالخيار: إن شاءوا خلوا بين الزارع وأخذ زرعه ذلك، وضمنوه نقصان أرضهم إن كان زرعه نقصها شيئًا.
وإن شاءوا منعوا الزارع من ذلك، وغرموا له قيمة زرعه مقلوعًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم عامة الفقهاء، ومنهم: أبو حنيفة وأصحابه، ومالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: أصحاب الأرض بالخيار. . . . إلى آخره.
قال الخطابي: الزرع في قول عامة الفقهاء لصاحب البذر؛ لأنه تولد من عين ماله ويكون منه، وعلى الزارع كراء الأرض.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أن هذا الحديث قد روي على غير ما ذكروا.
حدثنا أحمد بن أبي عمران، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع بن خديج أنه قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته، وليس له من الزرع شيء".
وقد روى هذا الحديث أيضًا يحيى بن آدم، عن شريك وقيس، جميعًا عن أبي إسحاق، وقد ذكر ذلك عنهما في كتاب "الخراج".
كما قد حدثني أحمد بن أبي عمران أيضًا، لا كما قد حدثناه فهد بن سليمان.
فمعنى هذا الحديث عندنا غير معنى ما قد روى الحماني؛ لأن ما روى الحماني هو قوله:"فليس له من الزرع شيء، وترد عليه نفقته". فوجه ذلك: أن غيره يعطيه النفقة التي أنفقها في ذلك، فيكون له الزرع لا بما يعطى من ذلك.
وهذا محال عندنا؛ لأن النفقة التي قد خرجت في ذلك الزرع ليست قائمة، ولا لها بدل قائم، وذلك أنها إنما دفعت في أجر عمال وغير ذلك مما قد فعله الزارع بنفسه، فاستحال أن يجب له ذلك على رب الأرض لا بعوض يتعوضه منه رب الأرض في ذلك.