فإن قلت: أثر ابن عمر - رضي الله عنه - يدل على أن التقاط الضالة لا يجوز، كما ذهب إليه أهل المقالة الأولى، فما وجه إيراده هنا؟.
قلت: وجه إيراده هاهنا أنه يدل على أن حكم الضالة كحكم اللقطة، وأن الضالة واللقطة تطلق كل واحدة منهما على الأخرى، ألا ترى كيف قال: سئل عن الضالة من القدح والشيء يجده الإنسان، وأما قوله فإن الضالة لا يضمها إلا ضال فمحمول على من يلتقط الضالة لنفسه لا لأجل حفظها ليردها إلى صاحبها؛ فافهم.
ص: وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - في ذلك أيضًا: ما قد حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن يزيد الرشك، عن معاذة العدوية:"أن امرأة سألت عائشة - رضي الله عنها - فقالت: إني أصبت ضالة في الحرم، وإني عرفتها فلم أجد أحدًا يعرفها، فقالت: استنفعي بها".
ش: إسناده صحيح، والرِّشْك -بكسر الراء وسكون الشين المعجمة، وفي آخره كاف- ومعناه القسام يلقب به يزيد بن أبي يزيد الضبعي البصري.
وفيه: دلالة على جواز التقاط الحرم؛ خلافًا لمن منعه، وأن حكمه بمثل حكم الالتقاط من الحل.
وقال الشافعي وأحمد: يجب التعريف في لقطة الحرم إلى أن يجيء صاحبها.
ص: وقد روي عن عبد الله بن مسعود في ذلك أيضًا: ما قد حدثنا فهد، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال: أنا شريك، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال:"اشترى عبد الله - رضي الله عنه - خادمًا بسبعمائة درهم، فطلب صاحبها فلم يجده، فعرفها حولًا فلم يجد صاحبها، فجمع المساكين فجعل يعطيهم ويقول: اللهم عن صاحبها، فإن أبى ذلك فَعَنِّي وعليّ الثمن، ثم قال: هكذا يفعل بالضال".
ش: إسناده صحيح عن فهد بن سليمان، عن محمد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله، عن عامر بن شقيق بن جمرة -بالجيم والراء- الأسدي الكوفي، عن أبي وائل شقيق بن سلمة.