للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن والشعر مع ذلك فليس ممن امتلئ جوفه شعرًا، فهو خارج من قوله -عليه السلام-: "لأن يمتلئ جوف. . . ." الحديث.

قال الطحاوي في باب "رواية الشعر": سمعت ابن أبي عمران أيضًا وعلي بن عبد العزيز يذكران ذلك عن أبي عبيد. والله أعلم.

ص: فإن قال قائل فإذا كان كما ذكرت فلم قصد إلى المسجد؟ والذي ذكرت من هجي النبي -عليه السلام- والذي أبنت فيه النساء ورزأت فيه الأموات مكروه في غير المسجد كما هو مكروه في المسجد، ولو كان كما ذكرت لم يكن لذكره المسجد معنى؟

قيل له: قد يجيء الكلام كثيرًا بذكر معنى فلا يكون ذلك المعنى بذلك الحكم الذي جرى في ذلك الذكر مخصوصًا، من ذلك: قول الله -عز وجل-: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (١) فذكر الربيبة التي كانت في حجر ربيبها فلم تكن ذلك على خصوصيتها لأنها كانت في حجره بذلك الحكم، وأخرجها منه إذا لم تكن كانت في حجره، ألا ترى أنها لو كانت أكبر منه أنها عليه حرام كحرمتها لو كانت صغيرة في حجره؟

وقال -عز وجل- في الصيد: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (٢) فأجمع العلماء -إلا من شذ منهم- أن قتله إياه ساهيًا كذلك في وجوب الجزاء، فلم تكن ذكره ما ذكرنا من هاتين الآيتين بموجب خصوص الحكم، فكذلك ما رويناه من ذكر المسجد في الشعر المنهي عن روايته ليس فيه دليل على خصوصية المسجد بذلك، وكذلك أيضًا ما نهى عنه من البيع في المسجد هو البيع الذي يعمه أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق فذلك مكروه، فأما ما سوى ذلك فلا.


(١) سورة النساء، آية: [٢٣].
(٢) سورة المائدة، آية: [٩٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>