للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: تقرير السؤال أن يقال: إذا كان المنهي عنه من الشعر ما فيه أبن النساء وانتقاص الأموات والفحش والخنى ونحو ذلك يستوي فيه المسجد وغيره، وكذلك ما أبيح منه مما ليس فيه ما ذكرنا يستوي فيه المسجد وغيره، فما الفائدة من ذكر المسجد وتخصيصه بالذكر في الحديث المذكور؟.

وتقرير الجواب أن يقال: إن ذكر المسجد هاهنا لا يتعلق به الحكم كما أن ذكر الجمهور في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ. . . .} (١) الآية، لا يتعلق به تحريم الربائب، وكما لا يتعلق الحكم بقوله: متعمدًا في قوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} (٢) فإن أكثر العلماء أن ربيبة الرجل تحرم عليه وإن لم تكن في حجره فلا يشترط كونها في الحجر كما لا يشترط تربيته إياها، ألا ترى أنها لو كانت أسن منه تحرم عليه كما لو كانت صغيرة، وهي في حجره.

فإن قيل: إذا لم يتعلق بذكر الحجر حكم، فما الفائدة في ذكره؟

قلت: هو كلام خرج على الأعم الأغلب من كون الربيبة في حجر الزوج، وهذا كما في قوله -عليه السلام-: "في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون"، وليس كون المخاض أو اللبن شرطًا في المأمور، وإنما ذكره لأن الأغلب أنها إذا دخلت في السنة الثانية كانت بأمها مخاض، وإذا دخلت في الثالثة كانت بأمها لبن وإنما أخرج الكلام على غالب الحال، كذلك قوله تعالى: {فِي حُجُورِكُمْ} (١) على هذا، وكذلك قيد العمدية في الآية ليس لكونها شرطا بل لكون الغالب الأعم في العمد أو يكون بأن ورد النص فيمن تعمد وألحق به الخطأ للتغليظ وكذلك ذكر المسجد ليس لأنهم كانوا في غالب الأحوال يتناشدون في المساجد بما فيه الفحش والخنى وأبن النساء ورزأ الأموات فغلب النهي لذلك، فافهم.

ص: وقد روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على إباحة العمل الذي ليس من القرب في المسجد.


(١) سورة النساء، آية: [٢٣].
(٢) سورة المائدة، آية: [٩٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>