يُوجب عليها غسلا، فلها أن تصلي في حالها تلك ما أرادت من الصلوات بذلك الغسل إن أمكنها ذلك.
فلما وجدنا المرأة قد تكون مستحاضة بكل وجه من هذه الوجوه التي معانيها مختلفة، وأحكامها مختلفة، واسم المستحاضة يجمعها, ولم نجد في حديث عائشة - رضي الله عنها - ذلك تِبْيَانَ استحاضة تلك المرأة التي أمرها النبي - عليه السلام - بما ذكرنا أيُّ استحاضة هي، لم يجز لنا أن نحمل ذلك على وجه من هذه الوجوه دون غيره إلا بدليل على ذلك.
فنظرنا في ذلك، هل نجد فيه دليلا؟ فإذا بكر بن إدريس قد حدثنا، قال: أنا آدم، قال: نا شعبة، قال: نا عبد الملك بن ميسرة والمجالد بن سعيد وبيان، قالوا: سمعنا عامرا الشعبي يحدث عن قَمير -امرأة مسروق- عن عائشة:"أنها قالت في المستحاضة: تدع الصلاة أيام حيضها، ثم تغتسل غسلا واحدا، وتتوضأ عند كل صلاة".
حدثنا حسين بن نصر وعلي بن شيبة، قالا: حدثنا أبو نعيم، قال: نا سفيان، عن فراس وبيان، عن الشعبي بإسناده.
فلما رُوي عن عائشة ما ذكرنا من قولها الذي أفتت به بعد النبي - عليه السلام -، وكان ما ذكرنا من حكم المستحاضة أنها تغتسل لكل صلاة، وما ذكرنا أنها تجمع بين الصلاتين بغسل، وما ذكرنا أنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، وقد روي ذلك كله عنها، ثبت بجوابها ذلك أن ذلك الحكم هو الناسخ للحكمين الآخرين؛ لأنه لا يجوز عندنا عليها أن تدع الناسخ وتفتي بالمنسوخ، ولولا ذلك لسقطت روايتها.
فلما ثبت أن هذا هو الناسخ؛ لما ذكرنا، وجب القول به، ولم يجز خلافها، هذا وجه قد يجوز أن يكون معاني هذه الآثار عليه.