غير أن ابن حزم اعترض فيه بشيء لا يَرِد أصلًا، وملخص ما قاله: أن لا حجة لهم فيما ذكروا من وجوه:
الأول: أنهم يقولون بالزكاة على من له خمس من الإبل أو أربعون شاة، فمن أين وقع لهم أن يجعلوا حد الغنى بمائتي درهم دون خمس من الإبل أو دون أربعين شاة؟!.
الثاني: أنه يلزمهم أن من له الدور العظيمة والجوهر ولا يملك مائتي درهم أن يكون فقيرًا يحل له أخذ الصدقة.
الثالث: أنه ليس في قوله -عليه السلام-: "تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" دليل ولا نص بأن الزكاة لا تؤخذ إلا من غني ولا ترد إلا على فقير، وإنما فيه أنها تؤخذ من الأغنياء وترد إلى الفقراء فقط، وتؤخذ أيضًا بنصوص أخر من المساكين الذين ليسوا أغنياء، وترد على أغنياء كثيرين كالعامل، والغارمين، والمؤلفة قلوبهم، وفي سبيل الله، وفي ابن السبيل وإن كان غنيًّا في بلده؛ فهذه خمس طبقات أغنياء لهم حَقٌّ في الصدقة، وتؤخذ الصدقة من المسكين الذي ليس له إلا خمس من الإبل وله عشرة من العيال، وممن لم يصب إلا خمسة أوسق لعلها لا تساوي خمسين درهمًا، وله عشرة من العيال في عام سنة.
قلت: هذه كلها تخاليط صادرة عن غير تروٍّ:
الأول: أن قولهم: إن مالك المائتي درهم هو غني، ليس المراد منه أن يملك عين المائتين حتى يعد غنيًّا، بل الغني هو الذي يملك مائتي درهم أو ما يساوي مائتي درهم؛ فإنه يصير بذلك غنيًّا فتحرم عليه الصدقة، ألا ترى إلى ما قال في الحديث:"وله عدل خمس أواق" أي وله ما يساوي مائتي درهم، ومن ملك خمس من الإبل السائمة وأربعين شاة يصير غنيًّا فتحرم عليه الصدقة وتجب عليه الزكاة.
الثاني: أن من له الدور العظيمة إذا لم يملك مائتي درهم وكان محتاجًا إلى المسكن في دوره لا يصير به غنيًّا، فيجوز له أخذ الصدقة وقد روي عن الحسن أنه قال: "يعطى من الصدقة الواجبة من له الدار والخدم إذا كان