فيكون العمل على حديث عائشة الذي ليس فيه الأقراء، وإنما فيه:"أنه - عليه السلام - أمر المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل"، ولكنه لم يبين أي مستحاضة هي؛ لأن المستحاضات كثيرة (١) على أنواع، كما بينها الطحاوي. ولم نعلم في حديث عائشة بيان تلك المستحاضة أيتها هي، فلم يجز حيئنذ أن نحمل ذلك على نوع من الأنواع؛ لبطلان الترجيح بلا مرجح، وهو الدليل يدل على خصوصية المراد فوجدنا ذلك في حديث قَمِير عن عائشة، وتبيَّن أن المراد من تلك المستحاضة هي التي لها أيام معتادة، لأنها أفتت بذلك حيث قالت:"تدع الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل غسلا واحدا وتتوضأ عند كل صلاة", ولما روي هذا عن عائشة من قولها الذي أفتت به بعد النبي - عليه السلام -، والحال أنه قد روي عنها من أنها تغتسل لكل صلاة، ومن أنها تجمع بين الصلاتين بغسل، ثبت بفتواها هذه أن ما روي عنها من الحكمين الآخرين قد نسخ، إذ لا يجوز أن تفتي بالمنسوخ وتترك الناسخ كما ذكرنا.
فلما ثبت أن هذا هو الناسخ، تعين المصير إليه، ووجب القول به، ولم يجز تركه إلى حكم من الحكمين الآخرين.
ثم إنه أخرج حديث قمير عن عائشة من طريقين حسنين صحيحين:
الأول: عن بكر بن إدريس بن الحجاج، ذكره ابن يونس وأثنى عليه، عن آدم بن أبي إياس التميمي، أحد مشايخ البخاري في الصحيح، عن شعبة بن الحجاج، عن عبد الملك بن ميسرة الهلالي، أبي زيد الكوفي؛ روى له الجماعة، وعن المجالد بن سعيد بن عمير الكوفي، روى له مسلم -مقرونا بغيره- والأربعة. وعن بيان بن بشر الأحمسي البجلي الكوفي المعلم، روى له الجماعة، ثلاثتهم عن عامر الشعبي، عن قَمير -بفتح القاف وكسر الميم- بنت عمرو الكوفية، امرأة مسروق ابن الأجدع، قال العِجْلي: تابعية ثقة. روى لها أبو داود والنسائي.