للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمَّد بن سلمة: إنما تيمم ابن عمر بالمربد؛ لأنه خاف فوت الوقت.

لعله يريد فوات الوقت المستحب، وهو أن تصفَرَّ الشمس.

فإن قيل: قال البخاري في "جامعه" وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف، فحضرت العصر بمِرْبَد الغنم، فصلى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يُعِدْ.

قلت: قوله: "والشمس مرتفعه" يحتمل أن تكون مرتفعة عن الأفق، والصفرة دخلتها. ويحتمل أن يكون ظَنَّ أنه لا يدخل المدينة حتى يخرج الوقت، فتيمم على ذلك الاجتهاد.

وعن ابن القاسم: "من رجا إدراك الماء في آخر الوقت، فتيمم في أوله وصلى أجزأه، ويُعيد في الوقت استحبابًّا". فيحتمل أن يكون ابن عمر كان يرى هذا.

وقال سحنون في شرح "الموطأ": كان ابن عمر على وضوء؛ لأنه كان يتوضأ لكل صلاة، فجعل التيمم عند عدم الماء عوضًا من الوضوء. وقيل: كان ابن عمر يرى أن الوقت إذا دخل حل التيمم، وليس عليه أن يؤخر لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (١).

وقال عبد العزيز ابن بُزيزة: الحاضر الصحيح يَعْدِم الماء، هل يتيمم أم لا؟ قالت طائفة: يتيمم، وهو مذهب ابن عمر وعطاء والحسن، وجمهور العلماء. وقال قوم من العلماء: لا يتيمم. وعن أبي حنيفة: يُستحب لعادم الماء، وهو يرجوه، أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، ليقع الأداء بأكمل الطهارتين. وعن محمَّد: إن خاف فوت الوقت يتيمم. وفي شرح الأقطع: التأخير، عن أبي حنيفة ويعقوب حَتْم. كأنه يشُير إلى ما رواه الدارقطني (٢) من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي: "إذا أجنب الرجل في السفر تَلَوَّمَ ما بينه وبين آخر الوقت، فإن لم يجد الماء، تيمم وصلى".


(١) سورة النساء، آية: [٤٣]، وسورة المائدة، آية: [٦].
(٢) "سنن الدارقطني" (١/ ١٨٦ رقم ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>