للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس: فيه دليل أن السعي إنما يجب بالنداء وبسماعه؛ حيث قال عثمان - رضي الله عنه -: "سمعت النداء"، وأن شهود الخطبة ليس بواجب.

قال القاضي: هذا على مقتضى قول أكثر أصحابنا, ولا يشترط في صحة صلاة الجمعة، على قول آخرين.

السادس: فيه دليل على جواز شهود الأخيار والفضلاء السوق، ومعاناة التَجْر (١) فيه، وهكذا كان المهاجرون يعانون المتاجر؛ لأنهم لم تكن لهم حيطان ولا غلات يعتمرونها إلا بعد حين، وكانت الأنصار ينظرون في أموالهم ويعتمرونها.

السابع: فيه دليل على طلب الرزق والتعرض له والتحرف.

الثامن: هو المقصود منه ها هنا: أن فيه دليلًا على أن أمره - عليه السلام - بالغسل ليوم الجمعة ليس بفرض؛ لأن عمر- رضي الله عنه - في هذا الحديث لم يأمر عثمان بالانصراف للغسل، ولا انصرف عثمان حين ذكره عمر بذلك، ولو كان الغسل واجبًا للجمعة ما أجزأت الجمعة إلا به، ما لا تجزئ الصلاة إلا بالوضوء للحديث، أو بالغسل للجنب.

وفي هذا ما يوضح (أن) قوله - عليه السلام - في حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم، كغسل الجنابة"، أنه وجوب سنة واستحباب وفضيلة، وأن قوله: "كغسل الجنابة"؛ أراد به الهيئة والحال، والكيفية، فمن هذا الوجه وقع التشبيه له بغسل الجنابة، لا من جهة الوجوب.

وقد أجمع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب، وفي ذلك ما يكفي ويفي عن الإكثار، ولا يجوز على الأمة بأسرها جهل معنى السنة ومعنى الكتاب (٢). والله أعلم بالصواب.


(١) التَّجْر: التِّجارة، مصدر: تجر، يَتْجُر، تجرًا، من باب: قتل، انظر "القاموس"، و"المصباح".
(٢) قارن -حول دعوى الإجماع هنا-: "المحلى" (٢/ ٩)، "المغني" (٣/ ٢٢٥)، "فتح الباري" (٢/ ٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>