الحمد لله الذي هدانا لمعرفة الحلال والحرام، وأوجب علينا طاعة نبينا محمد سيد الأنام، وندبنا لاتباع شريعته الغراء ومعرفة الأحكام،
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
أي بسم مسمى اللفظ الأعظم الموصوف بكمال الإنعام في الرحمة وبما دون أو بإرادة ذلك أؤلف مستعيناً أو ملابساً على وجه التبرك. وابتدأ كتابه بها تأسياً بالكتاب العزيز، وعملاً بقوله عليه السلام:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" وفي وراية "بالحمد لله" وجمع بينهما بقوله (الحمد لله) والحمد هو الثناء على الله تعالى بجميل صفاته. وعرفاً فعل ينبيء عن تعظيم المنعم من حيث إنعامه. والشكر لغة هو الحمد عرفاً، واصطلاحاً صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله. وبين الحمد والشكر اللغويين عموم وخصوص وجهي، فعموم الحمد أنه لمبدي النعمة وغيره، وخصوصه أن لا يكون إلا باللسان. وعموم الشكر أنه يكون بغير اللسان، وخصوصه أنه لا يكون إلا لمبدأ النعمة. قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
وقيل هما سواء. وقوله (الذي هدانا) أي دلنا وأرشدنا (لمعرفة الحلال) وهو ما قابل الحرام، فيعم الواجب والمندوب والمكروه والمباح. والمباح يطلق على الثلاثة فيقال للواجب والمندوب والمكروه مباح، ويقال لهذه الثلاثة. والمباح حلال، ولكن إطلاق المباح على ما استوى طرفاه هو الأصل (والحرام) وهو ضد الواجب باعتبار تقسيم أحكام التكليف، وفي الحقيقة ضد الحلال وهو ما ذم فاعله ولو قولا وعمل قلب شرعاً (وأوجب علينا طاعة نبينا محمد) صلى الله عليه وسلم (سيد الأنام).
والواجب لغة الساقط والثابت، وشرعاً ما ذم تاركه قصداً مطلقاً. والطاعة موافقة الأمر، والمعصية مخالفته. وكل قربة طاعة ولا عكس. والنبي بلا همز وعليه الأكثر من النبوة وهي الرفعة لأن النبي مرفوع الرتبة، وبالهمز من النبأ أي الخبر لأنه مخبر عن الله تعالى. ومحمد علم منقول من التحميد مشتق من اسمه تعالى الحميد كأحمد. وأسماؤه عليه السلام كثيرة. قال بعض الصوفية لله عز وجل ألف إسم، وللنبي عليه السلام ألف إسم. والسيد الذي يفوق في الخير قومه، وقيل التقي، وقيل غير ذلك. والأنام الخلق. (وندبنا لاتباع شريعته الغراء ومعرفة الأحكام).