للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد غفرت لهم، فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء، إنما مر فجلس معهم، قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) (١).

وهذا هو محل الشاهد من الحديث، قال الإمام الشوكانى - رحمه الله -: "جعل جليس أولئك القوم مثلهم مع أنه ليس منهم، وإنما عادت عليه بركتهم فصار كواحد منهم" (٢).

وكل ما خرج عن هذا المعنى للتوسل المشروع، فإما أن يدخل بصاحبه في دائرة الشرك، أو في الابتداع المنهى عنه.

إذ التوسل بذوات الصالحين بريد لاعتقاد قدرتهم على التصرف بدفع الضر أو جلب النفع؛ لذلك حذر العلماء من ذلك ببيان ما يؤدى إليه من مفاسد جسيمة - كما أقر بذلك الصاوى في إنكاره لحال الكثير من المتصوفة - وليس بمخرج لهم اعتقاد أنهم عبيد ليس لهم استقلال في التصرف؛ فقد بينت النصوص الشرعية أن هذه هي حجة المشركين الذين أقروا بربوبية الله تعالى، وأرادوا التوسل إليه بعبادة الأصنام، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: ٨٧].

يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -: "فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأن لا يرزق إلا هو، ولا يحيى ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات السبع ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن، كلهم عبيده وتحت تصرفه .. وأن أوثانهم لا تدبر شيئًا، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة" (٣).

قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا


= وصحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب المرء مع من أحب.
(١) أخرجه مسلم في كتاب الذكر - بابا فضل مجالس الذكر: (١٧/ ١٤).
(٢) تحفة الذاكرين: ٤٤.
(٣) كشف الشبهات: ٧١.

<<  <   >  >>