للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: ٣].

وقد أبطل سبحانه حجة المشركين في التوسل بهم، حيث قال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: ٥٦، ٥٧].

وبهذا يعلم أن من توسل بالصالحين فصرف شيئًا من العبادة التي لا يستحقها أحد إلا الله لأحدهم؛ بحجة أن له جاه عنده سبحانه، فقد أتى بما هو من جنس فعل المشركين الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء كان هذا التوسل بالدعاء الذي أقر الصاوى أنه جزء من أهم أجزاء العبادة، كما في الحديث الصحيح الذي رواه النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال سمعت رسول الله يخطب ويقول: (إن الدعاء هو العبادة) (١) أو بأى نوع آخر منها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لا يمكن الإقرار بأن من يلتجئ لأحد عند الشدة لا يعتقد فيه القدرة على التصرف، بل لوضوح هذه الحقيقة استدل بها القرآن على استحقاق الله تعالى للعبادة؛ إذ هو الملاذ عند اشتداد الكرب بإقرار المشركين أنفسهم، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: ٦٧].

وللخروج من هذا الإلزام يتشبث الكثير منهم بوجوب إرجاع تلك القدرة الكونية إلى الله تعالى، ولكن هذا ليس بمخرج لهم؛ إذ يلزمهم إحضار البرهان، وأنى لهم ذلك، والبرهان يحكم ضدهم، فإذا كان سيد الخلق يؤمر بالجهر في تقرير بشريته، وأنه عبد وليس للعبد أن يتعدى حدود البشر: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ


(١) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب التفسير - باب ومن سورة المؤمن، رقم الحديث: ٣٢٤٧ وقال الترمذي: حديث حسن صحيح: (٥/ ٣٤٩)، وقال الحافظ ابن حجر إسناده جيد: الفتح: (١/ ٤٩)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم: ٢٥٩٠: (٣/ ١٠١).

<<  <   >  >>