للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: ٥٠] فما حال أولئك الأولياء الذين يعتقد فيهم القدرة على التصريف الكونى الذي اختص الله تعالى به، كما في قوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠]، فكيف يصح نسبة هذه المقدرة - التي اختص الله بها نفسه وأكد على ذلك بأداة الحصر إنما - لأحد سواه مع أنها من أخص ما يوصف به الرب سبحانه لتمام اتصافه تعالى بأوصاف الربوبية التي لا تنبغى لأحد سواه (١).

ومن العجب أن يشبه الصاوى حال الذاهبين إلى أولئك الأولياء أحياءً وأمواتًا للتبرك بهم والتعلق بأذيالهم لنيل الرحمة والبركة بحال الذاهب إلى البيت العتيق للطواف بالكعبة المشرفة؛ فهذا قياس باطل، وذلك من عدة وجوه:

الأول: أن الطواف حول الكعبة والذهاب إلى المساجد أمر قد تعبدنا الله تعالى به بنص الكتاب والسنة، فلا ينبغى الخروج عما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله تعالى أمرنا باتباعه، حيث قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١] وهذا الأصل يرجع إلى كمال الدين المنزل من عند الله تعالى، فأى ابتداع فيه دل على اتهام الشارع بالتقصير وعدم البيان، لذلك حذر النبي - عليه الصلاة والسلام - منه أيما تحذير، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (٢) ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقف، كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الأسود، وقال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك) (٣) " (٤).


(١) يشم من هذا الكلام رائحة الاعتقاد بوحدة الوجود والتى سيتم بحثها على جهة الاستفاضة في مبحث وحدة الوجود، بإذن الله: ٧٣٧.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم: ٢٦٩٧. ومسلم، ٣٠ - كتاب الأقضية، حديث: ١٧.
(٣) أخرجه البخاري: كتاب الحج ٦٠ - باب تقبيل الحجر، حديث: ١٦١٠ ولفظه: (لولا أنى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلك ما قبلتك) ومسلم: ١٥ - الحج ٤١ - باب استحباب تقبيل الحجر: ٢٤٨.
(٤) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: ٢٧٠.

<<  <   >  >>