للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن هذا قياس باطل؛ لأنه قد بنى على غير أصل، وهذا حال جميع البدع "فإن جميع البدع إنما هي رأى على غير أصل، ولذلك وصف بوصف الضلال" (١)، قال الإمام ابن عبد البر: "هذا هو القياس على غير أصل، والكلام في الدين بالتخرص والظن" (٢).

الثالث: أنه ورد النص الصريح بالنهى عن تخصيص بعض الأماكن بالعبادة ومنها القبور، حيث قال - عليه الصلاة والسلام -: (اللهم لا تجعل قبرى وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (٣) وعلة النهى وردت هنا صريحة؛ حيث ابتدأ النبي النهى بدعاء الله تعالى أن لا يجعل قبره وثنًا يعبد، فدل ذلك على علة تحريم اتخاذ القبور مساجد، يقول شيخ الإسلام: "فهذه المفسدة - التي هي مفسدة الشرك، كبيره وصغيره - هي التي حسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا" (٤). وقال: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها) (٥) كل هذا مخافة الفتنة على الناس، وحماية لجناب التوحيد، قال الإمام الشافعي: "وأكره أن يعظم مخلوق؛ حتى يجعل قبره مسجدًا" (٦).

الرابع: أن اعتقاد حلول البركة والرحمة في مكان أو زمان لا يكون إلا بدليل يدل عليه، فالله تعالى هو وحده المتصرف في الخلق يخص بعضه بما شاء من البركة واليمن، قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: ٦٨]؛ فليس لأحد أن يملك هذا الاختيار بل هو إلى الخالق جل شأنه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤]، يقول الإمام ابن القيم: "فذوات ما


(١) الاعتصام للشاطبى: (١/ ١٦٦).
(٢) جامع بيان العلم وأهله: (٢/ ١٠٣٩).
(٣) أخرجه الإمام مالك الحديث مرسلًا في الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر - باب جامع الصلاة: ٨٥: (١٧٢) وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رقمه: ٧٣٥٢، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح: (٧/ ١٧٣).
(٤) اقتضاء الصراط المستقيم: (٢/ ٨٠).
(٥) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز - باب النهى عن الجلوس على القبر والصلاة عليه: (٧/ ٣٨).
(٦) كتاب الأم: (١/ ٢٧٨).

<<  <   >  >>