للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اختاره واصطفاه من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها مشتملة على صفات وأمور قائمة ليست لغيرها، ولأجلها اصطفاها الله، وهو سبحانه الذي فضلها بتلك الصفات وخصها بالاختيار، فهذا خلقه وهذا اختياره" (١).

وكما وردت الأدلة ببيان بركة المسجد الحرام؛ فقد وردت ببيان تعديها إلى غيره. وذلك بالثواب المضاعف والدعاء المستجاب والأمن من المكروه وغير ذلك مما ورد في بيان فضله، قال - عليه الصلاة والسلام -: (صلاة في مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) (٢) يقول الإمام القرطبي: "جعله مباركًا لتضاعف العمل فيه، فالبركة كثرة الخير" (٣).

وإذا علم هذا تبين أن الأمر تعبدى محض، لا مجال لقياس أمر خارج عنه بلا دليل.

أما الاستغاثة بالصالحين والتوجه إليهم عند الشدائد فهذا مما لا يحل؛ إذ الدعاء من أخص ما يجب صرفه لله تعالى، وقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في الأمر بالإخلاص لله تعالى فيه، والتحذير من صرفه لغيره، فمرة يتجه الخطاب إلى النبي في التحذير من ذلك، قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: ١٠٦]، ومرة يتجه الخطاب في ذلك إلى كافة الثقلين كما في قوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨].

إلى غيرها من الآيات التي تقرر مكانة الدعاء، ولزوم صرفه لله تعالى، ودحض جميع الشبه التي يستند إليها المشركون في صرفهم الدعاء لغيره سبحانه، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي


(١) زاد المعاد: (١/ ٥٣).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدية، رقم الحديث: ١١٩٠، وأخرجه مسلم في كتاب الحج - باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة.
(٣) الجامع لأحكام القرآن: (٤/ ١٣٩).

<<  <   >  >>